الدكتور عادل عامر
إن مفهوم الجريمة مفهوم عريض جدا ومتعدد وإن كان أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية، والضحايا التقليدية مثل ضحايا السرقات والقتل والاغتصاب..الخ، من الجرائم التي أطلق عليها بعض العلماء الجرائم الطبيعية أي التي توجد في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان، إلا أن أفق الجريمة والمجرمين والضحايا قد اتسع كثيرا بتعقد المجتمع البشري فهي أصبحت أكثر خطورة وتعقيدا وأكثر عقلانية أي نشاطا محسوباً ومقصوداً أكثر منها مصادفة و نزوة، ومن هذا تعددت تعاريف الجريمة بتعددها.
I-2: تعريف الجريمة:
إن موضوع تحديد ماهية الجريمة حظي باهتمام وافر من قبل العلماء في مجالات عدة على رأسها علم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام، مما أسفر عنه أكثر من تعريف، ولكن إن تغيرت صورها فان فكرتها لا تتغير بجوهرها ويمكن أن نعرف الجريمة من الناحية القانونية والأخلاقية، التكاملية، الدينية، والاجتماعية.
إن مثل هذا الاختلاف في الاهتمامات و التوجهات من قبل العلماء في مجال تعريف وتفسير الجريمة قد يرد لعوامل عدة من أهمها تعدد أبعاد هذه الظاهرة باعتبارها إفرازات لعوامل متعددة تؤثر وتتأثر بجوانب اجتماعية وثقافية وقانونية مختلفة.[1]
إضافة إلى اختلاف وحدة الاهتمام التي تناولها مختلف الباحثين والعلماء، فمنهم من اهتم بالمؤسسات و النظم العاملة على مكافحة الجريمة، ومنهم من اهتم بالأفراد، في حين ركز آخرون في دراساتهم للجريمة على الاتجاهات السلوكية حيال المجرم و الجريمة، وآخرون درسوا نمط معين من السلوك الإجرامي كتعاطي المخدرات أو الانتحار أو الرشوة..، ومنهم من درس المحكوم عليهم في قضايا معينة فقط وآخرون درسوا المتهمين و المحكوم عليهم معا، بل هناك من اتجه مؤخرا إلى دراسة بهدف فهم وتفسير الإجرام، وآخرون اهتموا ب! إجرام الرجال وغيرهم اهتموا بإجرام النساء و الفريق الثالث يجمع بين الاثنين، هكذا تباين أوجه الاهتمام من قبل الدارسين و الباحثين مما نجم عنه تباين في النتائج وتعدد المداخل واختلاف وجهات النظر والآراء والتشعب في دراسة هذا الموضوع.
1. التعريف القانوني:
يكاد يجمع كل رجال القانون على اعتبار ان الجريمة هي " كل فعل أو امتناع عن سلوك أو فعل يجرمه المشرع وينص له القانون يمثل قاعدة جزائية تطبق على الخارجين عنها"[2].
يشترط في الجريمة بهذا المنظور أركان ثلاثة أساسية من أهمها: الركن المادي الذي يشير إلى أن الفعل أو الامتناع له وجوده المادي المحسوس، فالأفكار مثلا لا تعتبر في القانون الجنائي جريمة، كذلك ركن الأهلية القانونية للفاعل، أي أن يكون من أهل المسؤولية القانونية، ثم الركن الشرعي أو القانوني الذي وفقا له يتم تحديد أي الأفعال جريمة.[3]
2. التعريف الاجتماعي:
ينطلق الاجتماعيون من الانتقادات التي قدمت للتعريف القانوني والتي أبرزها: إنكار هذا التعريف للأبعاد الاجتماعية للجريمة، وهم يعتبرون الجريمة ! ظاهرة اجتماعية، وان التجريم ليس حكرا على المشرع (القانوني) بقدر ما هو مستمد من الواقع الاجتماعي بما يحويه من قيم ومعايير اجتماعية.[4]
وعلى هذا الأساس اختلفت مدارس علم الاجتماع وكذلك علماؤه في تعريف الجريمة، وقد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور عدد من التعاريف ذات الاتجاه الاجتماعي، ومن أشهرها تعريف (سالن Sallin) حيث يقول: الجريمة ! هي انتهاك للمعايير الاجتماعية، وتأتي شهرة هذا التعريف من كونه جمع كثيرا من الاعتبارات الاجتماعية في عبارة قصيرة، فالعادات والتقاليد والأعراف والقانون كلها معايير اجتماعية, ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف ان المعايير الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر، ولعل ذلك هو ما دفع العالم (Rafaele Garofalo) إلى تصنيف الجرائم إلى جرائم طبيعية وجرائم مصطنعة، الأمر الذي أظهر تعريف (Sallin) وكأنه تعريف يخص مجتمعا واحدا، فقد قسم جاروفالو الجريمة إلى نوعين: جريمة طبيعية، وجريمة مصطنعة. فالجريمة الطبيعية هي ذلك الفعل الذي لا يختلف شعور الناس تجاهه بأنه جريمة مهما اختلفت المجتمعات والأزمنة، كالاعتداء المادي أو المعنوي على الأفراد، والاعتداء على الأموال والممتلكات، أما الجريمة المصطنعة فهي الأفعال المنتهكة لمكونات ثقافية مصطنعة، أو ما يسمى بالعواطف غير الثابتة كالديانات والعادات والتقاليد, ولعل نظرية "جاروفالو" هذه من أكثر النظريات انسجاما مع الواقع الثقافي المعاصر، ذلك أنه لا يمكن بحكم هذا الواقع، أن يتم الحصول على تعريف اجتماعي واحد يكون مقبولا تماما في كل المجتمعات، أو على الأقل عند كل علماء الاجتماع، وعلى هذا الأساس فإن النقد الموجه لهذه النظرية من زاوية عدم تشابه عاطفتي الشفقة والأمانة لدى كل المجتمعات، وهو نقد جاء به العالم (Durkheim) نقد ضعيف لأنه لم يأخذ في الاعتبار أن الشعوب والثقافات قد لا تتفق على تعريف آخر أكثر من اتفاقها على هذا التعريف في هذا العصر بالذات ثم انه يؤخذ على هذا النقد أن العواطف تتشابه لدى كل المجتمعات لكنها لا تتطابق تماما، والأخذ بمسألة واحدة تتشابه عواطف كل الشعوب تجاهها، خير من تركها حتى يتحقق التطابق العاطفي التام.[5] والجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وما هو عدل في نظرها. أو هي انتهاك العرف السائد مما يستوجب توقيع الجزاء على منتهكيه، أو هي انتهاك وخرق للقواعد والمعايير الأخلاقية للجماعة،وهذا التعريف تبناه الأخصائيون الانثروبولوجيون في تعريفهم للجريمة في المجتمعات البدائية التي لا يوجد بها قانون مكتوب. وعلى هذه فإن عناصر أو أركان الجريمة من هذا المنظور هي: • قيمة تقدرها و تؤمن بها جماعة من الناس. • صراع ثقافي يوجد في فئة أخرى من تلك الجماعة لدرجة أن أفرادها لا يقدرون هذه القيمة و لا يحترمونها و بالتالي يصبحون مصدر قلق و خطر على الجماعة الأولى. • موقف عدواني نحو الضغط مطبقاً من جانب هؤلاء الذين يقدرون تلك القيمة ويحترمونها تجاه هؤلاء الذين يتغاضون عنها و لا يقدرونها.[6] 3. التعريف الأخلاقي: من العلماء الذين قدموا تعريفا للسلوك الإجرامي أولئك الذين نظروا إليها على انه: كل سلوك يتضمن تضاد او تعارض واضح من الناموس الطبيعي للأخلاق[7]، ولقد اختلف هذا الفريق فيما بينهم فيما يخص عدد ونوع تلك القواعد الأخلاقية التي إذ ما خرقت بات السلوك في حكم الجريمة، فمنهم من قال أن بعض القواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع هي المعيار الأساسي للفصل في مدى تجريم السلوك، في حين أكد البعض الأخر أن أي قاعدة من القواعد الأخلاقية لها أن تحدد إذا ما كان السلوك إجراميا أو اجتماعيا. 4. التعريف الديني: بعد أن عجزت التعريفات السابقة كل منها على حدى في بلوغ تعريف واضح للسلوك الإجرامي، ذهب بعض الاجتماعيين مذهبا دينيا في تعريف السلوك الإجرامي، مؤكدين أن هذا الضرب من السلوك يعتبر رذيلة أو فعلا يخالف قيما دينية، أو هو امتناع عن إبداء فعل يطالب الدين الأفراد بإبدائه!، فيصبح السلوك الإجرامي يشير إلى "محذورات شرعية زجر الله عنها بحد او تعزيز، وهي امتناع عن أمر من أوامر الله، وتقرر على مبديه عقوبة دنيوية محددة"[8]. 5.