الجريمة هي إشباع لغريزة إنسانية بطريقه شاذة لا يقوم به الفرد العادي في إرضاء الغريزة نفسها وهذا الشذوذ في الإشباع يصاحبه علة أو أكثر في الصحة النفسية و صادف وقت ارتكاب الجريمة انهيار في القيم والغرائز السامية، أو الجريمة هي نتاج للصراع بين غريزة الذات أي نزعة التفوقوالشعور الاجتماعي.[9] 6. التعريف التكاملي: من التعريفات السابقة انقسم العلماء إلى فريقين، الأول يؤكد على التعريف القانوني للجريمة، منفذين يلك الانتقادات التي حكمت على المحاولات العلمية الأخذة من المدخل القانوني لدراسة الجريمة بأنها دراسات غير علمية.[10] أما الفريق الثاني فهم جملة العلماء الذين حاولوا التوليف أو الجمع بين التعريفين القانوني والاجتماعي، ليصبح السلوك الإجرامي عبارة عن كل فعل ذا بعد مادي بوعي عن القواعد القانونية الجنائية المعمول بها في المجتمع، وبهذا الخروج مساس بالمجتمع في أمنه وسلامة أفراده ومؤسساته وقيميه وأخلاقه. ومن هذا المنطلق تعرف الجريمة على أنها "كل فعل يعاقب عليه القانون وينتهك القيم والمعايير الاجتماعية السائدة انتهاكا صارما يتجاوز حدود التسامح الممكنة".[11] II- علاقة الفقر بالجريمة لقد شغلت الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والجماعات وعدم المساواة الاجتماعية اهتمام آخر من العلماء والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين ونسبوا إليها كثيراً من الأمراض والعلل الاجتماعية وفي مقدمتها ممارسة الجريمة وقد اعتقد بعضهم أن الأمراض الاقتصادية والاجتماعية في بعض البلدان المتطورة كأمريكا مثلاً هي المسؤولة إلى حد كبير عن الجريمة وعن تزايد معدلاتها.وقد أسهم عدد كبير من علماء الاقتصاد وآخرون غيرهم بمن فيهم علماء الاجتماع بدراسات متعددة لتوضيح اثر العوامل الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية في تشكيل العوامل الأساسية للانحراف والجريمة. [12] وفي إطار هذا الاتجاه فقد أكد "روبرت ودسن R. wodson" أنه حيث تكون معدلات الجريمة مرتفعة تكون البنية الاقتصادية ضعيفة ويتمثل هذا الضعف في إهمال المشاريع الاقتصادية الحيوية ونمو البطالة وتزايد معدلات الخراب وتدمير الأشياء والممتلكات بسبب الافتقار إلى الخدمات العامة والدعم المالي، ويوضح "! جيفري Ray Jefferey" أهمية العوامل الاقتصادية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة بقوله (أن المدخل الأساسي للسيطرة على الجريمة ومحاولة منعها أو ضبطها له صلة قوية بما أصبح يعرف اليوم بالتحليل الاقتصادي للجريمة).[13] وتوضح بعض الدراسات التي أجريت في بلدان عربية أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة فالدراسة التي قام بها السيد "عارف العطار" عن الجريمة في منطقة (الخالص) في العراق بينت أن التخلف الاجتماعي والاقتصادي والجهل وتدني المستوى التعليمي للسكان في هذه المنطقة من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار الجريمة هناك.[14] وقد ربط الدكتور بدر الدين بين الأحداث السياسية والاجتماعية والتاريخية التي مرت بها مصر منذ عام 1938 وحتى عام 1977م، وبين ارتفاع معدلات أنماط معينة من الجرائم، وانخفاض أنماط أخرى حيث تميزت هذه الفترة بعدم الاستقرار وسرعة التغير،[15] وفي هذا الإطار فقد أشار الدكتور "الخالدي" إلى أن الظروف والعوامل الاجتماعية هي وراء ظاهرة الإدمان على المسكر والتي أصبحت تنتشر على نطاق واسع في المجتمع العربي.[16] وتبرز أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة من أن المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي تولي أهمية خاصة للوقاية من الجريمة بقدر الأهمية التي توليها للجانب العلاجي ويتمثل الجانب الوقائي عادة في توفير الظروف الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية الملائمة، والتي تشجع الفرد على الإبداع والابتكار وتبعده عن الرذيلة والجريمة، وقد تزايد هذا الدليل لدى المنظمة بعد أن تبين لها أن المنطقة العربية أصبحت مركزاً عالمياً رئيسياً من مراكز الاستثمار والاقتصاد والمال، وهذا أدى بدوره إلى (بروز أنواع جديدة من جرائم كالنصب والاحتيال، عن طريق المشروعات الوهمية وعن طريق تهريب العملة وعن طريق انحرافات بعض العاملين بالحكومة بالرشوة والاختلاس، تعاطي العملات والتلاعب بالتصدير والاست! يراد..الخ.[17] من الظواهر الاجتماعية التي لها صلة قوية بالمستويات الاقتصادية المتدنية والتي تلعب بدورها دوراً كبيراً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة هي ظاهرة الفقر وغالباً ما يصنف علماء الاقتصاد الفقر على أنه مدخل اقتصادي أساسي في تفسير الجريمة وصلة الفقر بالجريمة ليست صلة حديثة فمنذ فترة طويلة أكد الفلاسفة والمصلحون الاجتماعيون على أن الفقر يلعب دوراً مهماً في دفع الفرد إلى ممارسة الجريمة وقديماً أيضا قال "سقراط" (أن الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة) وحديثاً قال "كلارك" أن جرائم الفقراء وجرائم الناس المسلوبي القوة غالباً ما تكون بسبب السخط والكره اتجاه الاغنياء وان الفقراء قد يحملون حملاً على ممارسة الجريمة من اجل توفير الغنى والثروة وه! ذا يعني أن ظروف الفقر اللانسانية كما يقول كلارك هي التي تخلق من بين الفقراء من يتجه إلى ممارسة الجريمة.[18] وقد حاولت كثير من الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة أن تبين أن الفقر هو السبب الأساسي في الجريمة وربما تكون الدراسات التي قام بها وليام "بونجر w.Bonger" من أهم الدراسات الحديثة التي تتبنى هذا الاتجاه وقد حاول أن يثبت – عن طريق البحث والدراسة – أن الحالة العقلية للمجرمين ترجع إلى الانحطاط الاقتصادي من ناحية والى التفكك الطبقي من ناحية أخرى،[19] غير أن الدراسات التي قام بها بونجر اقتصرت على المجتمعات الأوروبية فقط، ولذلك فإنه ليس من السهل تعميمها على مجتمعات أخرى تتمتع بخصائص اقتصادية واجتماعية مختلفة وقد حاولت إحدى البحوث الحديثة أن تبين أن اغلب الجانحين وغيرهم من المنحرفين ينتمون إلى طبقة الفقراء والعمال غير المهرة.[20]
[1] : رمضان سليم: اثر الثقافة في دفع الأفراد إلى ارتكاب الجريمة،( تعليق على كتاب )، مجلة الناشر العربي، العدد 18، 1! 991، ص 111.
[2] : فرج صالح الهريش: علم الإجرام، الطبعة الأولى مكتبة الوطنية، ليبيا، 1999، ص48.
[3] : عبد العزيز عامر: شروح الأحكام العامة للجريمة في القانون في الليبي، ص ص 13- 4.
[4] : علي محمد جعفر: الإجرام وسياسة مكافحته، دار النهضة العربية، 1993، ص 6.
[5] : مفهوم السلوك الإجرامي وأهداف العقاب: http://search.suhuf.net.sa/2000jaz/aug/9/ar1.htm يوم التحميل 15/10/2007، على الساعة 15.30.
[6] : مفهوم الجريمة و المجرم و الضحية: http://www.alhnof.com/vb/t6455.html يوم التحميل 25/10/2007.
[7] : فرج صالح الهريش : مرجع سابق، ص 52.
[8] : عبد الله عبد الغني غانم: علم الاجتماع الجنائي الإسلامي، الكتاب الأول، الجريمة و المجرم من المنظور الإسلامي، نحو! نظرية إسلامية عامة للجريمة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1994، ص 40.
[9] : مفهوم الجريمة و المجرم و الضحية: http://www.alhnof.com/vb/t6455.html يوم التحميل 25/10/2007.
[10] : محمد زكي أبو عامر: السلوك الإنحرافي، دراسات في الثقافة الخاصة الجانحة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1! 999، ص 38.
[11] : رمضان سليم: مرجع سابق، ص 111.
[12] : Msrshall B. Clinard: Sociology of Deviant Behaviour, 3d edition, Rinhart and Winston, N.Y. 1968,p141.
[13] : عبد الأمير حسن: الإفراج الشرطي في العراق، دراسة مقارنة جامعة بغداد، بغداد، 1981 ص 136.
[14] ! : عارف العطار: الإجرام في الخالص – نموذج للإجرام الريفي في العراق، مطبعة المعارف، بغداد 1963 ص 7.
[15] : المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: المجلة الجنائية القومية، مارس – يوليو العدد،1-2 المجلد 22، 1979 ص 129.
[16] : المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب ب! الرياض – الإدمان على المسكر، سبل الوقاية والعلاج، 1981، ص ص 32-33..
[17] : ! المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة: المجلة العربية للدفاع الاجتماعي، العدد التاسع، يناير 1980، ص 237.
[18] : Ramsey Clark : Crime in America Third printing seman and Schuster. N.Y.1970 pp. 36. 39.
[19] : محمود حسن: الأسرة ومشكلاتها، دار المعارف، مصر، 1977، ص 59.
[20] : محمود حسن الأسرة: نفس المرجع، ص ص 59- 60.