حكم المظاهرات وحرية الرأي في الإسلام
الدكتور عادل عامر
[justify]المظاهرات أحد أشكال التعبير الجماعي عن الرأي العام للأمة في قضيةٍ من قضاياها، ومعناها يظهر في اسمها؛ فهي مظاهرة أي مفاعلة لإظهار الرأي العام للأمة وإيصاله إلى ولي الأمر ليقوم بتنفيذه والاستجابة له، وقد اتخذ العالم المعاصر المظاهرات لهذا الهدف، ولحمل أولي الأمر على تلبية رغباتهم والاستجابة لما يريدون. والإسلام من ناحيته يُرحِّب بالمظاهرات في حدود هذا المعنى؛ لبيان الرأي العام للأمة في قضيةٍ من قضاياها، وخاصةً إذا تعلَّق الأمر بمصلحة الأمة وقضاياها المصيرية، مثل: قضية فلسطين، وقضية (غزة خاصة) وقضية العراق، وغيرهما، هنا يجب على الأمة المسلمة أن تنتفض وتتظاهر وتفعل شتَّى الوسائل بما يبيِّن رأيها ويحمل أولياء الأمر على تنفيذ رغبتها، ويبعث الرعب في نفوس المعتدين، فيكفوا عن اعتدائهم. بل أقول: إن المظاهرات بهذه الكيفية نوعٌ من الجهاد في سبيل الله ونصرة لإخواننا المظلومين، ولإعلام العالم أن الأمة الإسلامية لا تزال بخير، وأن أبناءها في رباط دائم واستنفار مستمر؛ لا ينقصهم إلا مَن يناديهم للجهاد باسم الله فيسارعون إلى الجهاد حبًّا ورغبةً في الشهادة في سبيل الله. وهذا ما يغيظ الأعداء، ويلقي الرعب في قلوبهم، ويحملهم على مراجعة أنفسهم، والله تعالى يقول في مدح الذين يسيرون سيرًا أو يعملون عملاً مشروعًا يغيظ الأعداء وقد وعدهم بالثواب الجزيل، يقول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَطَئون مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَ كُتِبَ لَهُمْ به عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ (التوبة: من الآية 120). فالإسلام يُرحِّب بهذه المظاهرات لهذا الهدف وبهذه الكيفية بشرط مهم لا يجوز إغفاله، وهو أن تكون المظاهرات سلميةً لا عدوانية، أما إذا حدث فيها تخريب للمحلات العامرة وإفساد للمرافق الصالحة فهي ليست عملاً مشروعًا ولا عملاً وطنيًّا، بل إفساد في الأرض، ذكره الله من عمل المشركين ونهى عنه نهيًا جازمًا في قوله تعالى: ﴿فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ (الأعراف: من الآية 74)، وقال سبحانه ﴿ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها﴾ (الأعراف: من الآية 85). والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا ضرر ولا ضرار" (أخرجه أحمد وابن ماجه وغيرهما). فإتلاف الممتلكات وتخريب العامر لن يحرِّر أرضًا ولن يهزم عدوًا، بل هو إفساد في الأرض يفسد على الناس مصالحهم ويوهن الأمة ويخدم الأعداء. أسأل الله تعالى أن يُمكِّن لشرعه أن يسود، ولكتابه أن يحكم، وألا يجعل للظالمين ولا الكافرين على المؤمنين سبيلاً. والله تعالى أعلم.هل واجبي نحو المسلمين بفلسطين هو الدعاء والتبرع والمقاطعة لمنتجات اليهود فقط؟ أم ماذا؟ وما حكم المظاهرات التي تندد بمجازر اليهود لأهل غزة العُزَّل من المدنيين؟يقول الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)﴾ (التوبة). إنها ثقلة الأرض مطامع الأرض.. ثقلة الخوف على الحياة والخوف على المال والخوف على اللذائذ والمصالح والمتاع.. ثقلة الدَّعة والراحة والاستقرار.. ثقلة اللحم والدم والتراب. وما يُحجم ذو عقيدة عن النفرة في الله للجهاد في سبيله إلا وفي عقيدته دَخَلٌ، وإيمان صاحبها بها فيه وهنٌ؛ لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يَغْزُ ولم يُحدِّث نفسه بغزوٍ مات على شعبةٍ من شُعَب النفاق"، ومن ثمَّ يتوجَّه الخطاب إليها بالتهديد ﴿إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (التوبة: 39). والعذاب الذي يُهدِّدهم ليس عذابًا في الآخرة فقط؛ فهو كذلك عذاب الدنيا؛ عذاب الذلة التي تُصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، وما من أمةٍ تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل والصغار. والجهاد نوعان: جهاد الطلب، وجهاد الدفع. أما جهاد الدفع: فهو فرضٌ عيني على كل مسلم ومسلمة؛ هذا بالإجماع إذا داهم عدوٌّ- كاليهود مثلاً- أرضًا من أراضي المسلمين، كأرض فلسطين، صار جهاد الدفع فرضًا عينيًّا على كل مسلم ومسلمة لدفع هذا العدو الظالم؛ كلٌّ حسب قدرته واستطاعته، ويحرم حينئذٍ على طلبة العلم أن يتعلَّموا دون أن يخرجوا إلى ساحة الجهاد في سبيل الله عز وجل. لا بد من فَهْم هذا الواقع؛ فجهاد الدفع عليك أن تدفع هذا العدو، ويحرم عليك أن تتقاعس عن الجهاد لأي سبب إن كنت قادرًا على الجهاد في حدود قدراتك واستطاعتك وإمكانياتك. - فإذا لم تستطع أن تجاهد بنفسك مع إخوانك فبمالك، ولو استطعت أن تتبرع بمائة جنيه مثلاً وأنت تعلم يقينًا أنه لن يصل منها إلا عشرة جنيهات فقط، فابذل المائة جنيه لتصل العشرة. إخواننا هناك في حاجة إلى جنيه.. لا إلى عشرة جنيهات؛ فجاهد بمالك؛ فإن لم تستطع فبدعائك، ولا تحقر الدعاء، ولا تستهن به.. لا تخذلهم بالدعاء في كل سجدة من سجدات الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء. فدور الشعوب وواجبهم نحو إخوانهم المظلومين المقهورين: الجهاد بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، وتقديم العون المادي والمقاطعة بكل أنواعها، مع رفض التطبيع بكل أنواعه مع العدو الذي لا يرقب في مؤمن إلاًّ ولا ذمة الجهاد.. بالكلمة في المحاضرات.. في الدروس.. في الشوارع.. في الطرقات.. في المكاتب. إن كنت تستطيع أن تتصل بمسئول فاتصل.. إن كنت تقدر أن تعبِّر في جريدة من الجرائد وعلى موقع من المواقع فافعل.. إن كنت تقدر على رسم كاريكاتير مُعبِّر فافعل.. إن كنت لا تستطيع أن تتحدَّث عن هذه القضية إلا إلى أولادك وامرأتك فافعل.. إن كنت لا تستطيع أن تتحدَّث عن هذه القضية إلا مع زملائك في العمل فافعل.. المهم أن تشغل القضيةُ عقولنا وقلوبنا، وأن نجاهد بالكلمة؛ فالكلمة من أعظم صور الجهاد في سبيل، ولن يسألنا الله تعالى عن شيءٍ لا نقدر عليه، والله يعلم الصادق من الكاذب، ويسقط الواجب بالعذر عنه. موقف الشرع من ضرب بلد مسلم: وهل يجهل أحد هذا الموقف؟! هل هذا الحكم الشرعي مجهول لأحد؟!إن جميع الفقهاء من جميع المذاهب كلهم يقولون إذا غزا الكافر بلدًا مسلمًا فإن على جميع أهله أن يخرجوا وينفروا لمقاومته وطرده من ديارهم.. هذا يُعتبر فرض عين على أهل البلد جميعًا؛ رجالهم ونسائهم؛ كل من يقدر على المقاومة لا بد أن يقاوم، حتى قال الفقهاء: تسقط الحقوق الفردية في هذه الحالة، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، ويخرج الولد بغير إذن أبيه، ويخرج الخادم بغير إذن سيده؛ لأن حق الجماعة وحق الأمة فوق حقوق الأفراد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. على أهل البلد أن يقاوموا الغزاة خفافًا وثقالاً مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؛ فإن قدروا على طردهم وإخراجهم من ديارهم فبها ونعمت، وإلا انتقلت الفرضية إلى جيرانهم ومن يليهم من المسلمين، فيجب عليهم أن ينضموا إليهم ويقاوموهم بما يستطيعون من الرجال والمال والسلاح ويصبحوا جماعةً واحدةً في مقاومة الغزاة المحتلين، فإن عجز من يليهم انتقل الواجب إلى من يليهم، حتى يشمل المسلمين كافة؛ وذلك أن الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، أمة القرآن، أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة الإجابة.. هذه الأمة أمة واحدة؛ يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه" لا يسلمه: أي لا يتركه ويتخلَّى عنه أمام الأعداء ولا يقف موقف المتفرج وأخوه يُغزَى في عُقر داره، وإلا فقد أسلمه وخذله,, هذا مقتضى الأخوة الإسلامية، حتى قال الفقهاء: لو أن امرأة أسرت بالمشرق وعجز أهل المشرق جميعًا عن أن يُخلِّصوها وجب على أهل المغرب أن يفعلوا ذلك؛ لأن المشرق والمغرب كلهم أمة واحدة؛ لا يفصل مشرق عن مغرب ولا شمال عن جنوب. المظاهرات والتعبير عن الرأي: المظاهرات نوع من أنواع التعبير الجماعي عن الرأي العام للأمة في قضيةٍ من قضاياها، ومعناها يظهر في اسمها؛ فهي مظاهرة، أي مفاعلة لإظهار الرأي العام للأمة وإيصاله إلى ولي الأمر ليقوم بتنفيذه والاستجابة