الإسلام يحث على الطهارة
في الوقت الذي كانت القذارة في كل شيء سمة مميزة لحياة الأوربيين، حتى وصل الأمر إلى اعتبار أن الأوساخ التي تعلق بالجسم والملبس هي من البركة، ومن الأشياء التي تعطي القوة للأبدان!! حتى وصل الأمر إلى أن الإنسان كان لا يغتسل في العام كله إلا مرة أو مرتين!!.. في هذا الوقت نزل المنهج الإسلامي في عمق الصحراء، وبعيدًا عن حياة المدن والحضارات العملاقة.. يُرشد الناس إلى وجوب الغسل وإلى استحبابه.. فالغسل واجب عند الجنابة وعند لحيض وفي الحج وغير ذلك.. ومستحب في العيدين والإحرام وغيرهما، واختلف العلماء في وجوبه أو استحبابه يوم الجمعة، والغالب أنه مستحب..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه..
بل إنه حدد للمسلم فترة زمنية قصوى للفارق بين الغسلين، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام.. يغسل رأسه وجسده..
ووصل بعض الفقهاء بأنواع الغسل المختلفة إلى سبعة عشر نوعًا من الغسل للدلالة على أهميته.. ودعا الإسلام إلى طهارة الأعضاء المختلفة من الجسم، واهتم بالأعضاء التي تكثر فيها الأمراض أو يحتمل فيها حدوث الوسخ..
ففي طهارة الفم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة.. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد كنا نؤمر بالسواك، حتى ظننا أن سينزل به قرآن..
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ونظافة الأماكن التي يتوقع فيها العرق ولأوساخ والميكروبات، بل جعل ذلك من سنن الفطرة.. فقد روى الجماعة وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للترمذي.. قال صلى الله عليه وسلم: خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر... وتخيل مدى رقي هذا الدين الذي يأمر بهذه الآداب في هذا العمق من التاريخ، وفي هذا المكان في الصحراء، وفي هذه الظروف الصعبة التي نشأ فيها الإسلام..
وقد أمر صلى الله عليه وسلم أيضًا بالتنزه من قذارة البول والغائط، وشدد في ذلك حتى إنه مر على قبرين، فقال لأصحابه يحدثهم عن صاحبي هذين القبرين وذلك كما روى البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وبن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما:
إنهما ليعذبان، وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة..
وحض الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم المسلمين على حماية أنفسهم من آثار الطعام الزائد عن الحاجة، وحذرهم من آثار التخمة.. روى الترمذي وابن ماجة عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفَسه..
كما أمرهم بالحفاظ على نظافة الأطعمة والأشربة فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما: غطوا الإناء، وأوكوا السقاء.. وأوكوا بمعنى: سدُّوا فتحة الوعاء الذي به الشراب.
ومنع الإسلام أتباعه من كل خبيث يؤدي إلى ضرر بالصحة الجسدية والنفسية ويضر كذلك بالمجتمع.. فحرم الإسلام الخمر وما يندرج في حكمها كالمخدرات.. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: كل مسكر خمر، وكل خمر حرام... وبذلك حمى المسلمين من الأضرار الصحية الخطيرة للخمور والمخدرات، كما حمى البشرية جميعًا من الآثار الضارة للمخمورين سوء نتيجة للحوادث أو للجريمة أو لغير ذلك من الآثار السيئة لغياب العقل..
والذي ذكرناه في الخمر ينطبق كذلك على تحريم الفواحش؛ فالإٍسلام حرم الزنا وكل العلاقات غير المشروعة.. وبذلك لم يحفظ فقط صحة المسلمين ونسلهم وأخلاقهم، ولكن كان لذلك مردود على المجتمع بكامله مسلمين وغير مسلمين، ولا يخفى على أحد أن انتشار الأمراض الجنسية في البلاد غير الإسلامية أعلى بكثير منه في البلاد الإسلامية، وما ذلك إلا لكون الإسلام يمنع هذه الموبقات.. وما أروع ما قاله صلى الله عليه وسلم في رواية أحمد وابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما حين قال: ما ظهرت الفاحشة في قوم قط، يُعمل بها فيهم علانية، إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم.. ولا يخفي على أحد أن أمراض الإيدز والإيبولا وغيرها من الأمراض الجنسية القاتلة لم تكن معروفة قبل ذلك، ولم تظهر إلا بظهور الفاحشة في المجتمعات..
وحرم الإسلام أكل الميتة؛ لما في ذلك من أضرار جسيمة بالصحة أثبتها الآن الطب الحديث، ومما جعلني أشعر بالفخر الشديد وأنا في زيارة لأمريكا أن وجدتهم يفتخرون بأنه إذا مات لهم طائر أو حيوان قبل الذبح فإنهم لا يأكلونه؛ لأنه يكون ضارًا بالصحة، وهذا لم يكتشفوه إلا منذ أعوام قليلة، بينما أوروبا إلى الآن تأكل الميتة!! وهذا يجعل الأمريكان يفتخرون بمنهجهم الصحي على الأوروبيين، فقلت في نفسي وأمام الأمريكان وغيرهم.. ما أروع ديننا.. الذي حرم علينا هذا الذي اكتشفتموه حديثًا، ولكنه حرم ذلك علينا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام.. فسبحان الذي يعلم السر وأخفى..
ولا أشك ـ من هذا المنطلق ـ في أن السجائر حرام، وأن الذي يتناولها آثم، فالدين الذي حرم على أتباعه الخبائث لا يمكن أن يجل لهم شرب السجائر بكل ما فيها من خبث وضرر، فإنها لم تترك عضوًا من أعضاء الجسم إلا وألحقت به ضررًا خطيرًا..
فعودة إلى الإسلام أيها المسلمون!!