المصدر الإلهي للسلطة:
وهي أقدم النظريات التي تفسر أساس السلطة، وتقيمها على أساس الهي، فالسلطة مصدرها الله، وما دام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي، فهو يسمو على غيره من البشر، وبالتالي تسمو إرادته على إرادة المحكومين. وقد لعبت هذه الفكرة دوراً كبيراً في التاريخ، وقامت عليها السلطة في معظم الديانات القديمة والملكيات المطلقة الحديثة في أوروبا. وتجلت النظرية في أشكال مختلفة وتطورت عبر التاريخ فاتخذت ثلاث صور رئيسية: 1- في الأصل كان الحاكم يعتبر من طبيعة إلهية؛ فهو لم يكن مختار الآلهة لأنه هو نفسه إله. 2- نظرية الحق الإلهي غير المباشر أو العناية الإلهية؛ ومع ظهور المسيحية تطورت النظرية، ولم يعد الحاكم إلهاً أو من طبيعة إلهية، ولكنه اصبح يستمد سلطته من الله، فالسلطة للكنيسة البابوية.. ومن أنصار هذه النظرية القديس (توما الاكويني) و (بونالد) و(وميستر) و(بوسيه). وقد استخدمت النظرية بأشكال شتى منذ القرون الوسطى، وأثناء الصراع بين الكنيسة والإمبراطور، والكنيسة والملكيات الناشئة في أوروبا. ففسرت على أن الله يرتب الحوادث بشكل معين، بحيث تقوم أسرة بذاتها في وقت معين بأعباء الحكم، وعلى هذا النحو تؤيد النظرية سلطان الملوك ضد تدخل الكنيسة أو الشعب. 3- نظرية الحق الإلهي المباشر؛ وهذه اتخذت شكلاً جديداً مؤداه أن الحاكم إنسان كبقية البشر، إلا أن الله يصطفيه ويودعه السلطة، وفي هذه المرحلة تسمى النظرية بنظرية الحق الإلهي المباشر، لأن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرة، دون وساطة إرادة أخرى في اختياره، ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر. وقد عاشت هذه النظرية عصرها الذهبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، فكان شعار ملوكها (ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه)، وكان لويس الرابع عشر يردد أنه يستمد قوته من الله، وأنه غير مسؤول أمام أحد غير الله(2).