· هل هناك حب حقيقي وحب مزيف:
إذا خرج الحب من نطاق الصدق والحقيقة فإنه لا يجب أن نطلق عليه حباً ، فليس كل من نطق بكلمات الحب يكون محباً أو حبيبا ً، وليس كل من أحسن التعبير وأتقن لغة الكلام والعيون والجسد فهو محب .. فكم من كلمات معسولة وراءها سم ناقع ! وكم من كلمات قاسية وراءها خير واقع!! فالحب الحقيقي لا تظهره سوى المواقف .. أما إذا انسحب مدعي الحب في وقت يحتاج إليه حبيبه فإن ذلك لا يسمي سوي "أنانية تحقيق المتعة للذات" فقط ..
ويتأرجح الإنسان بين تحديد ما هو حقيقي وما هو زائف في الحب .. ولكن في النهاية نجد أن الحب عموماً يشكل حياة الإنسان فإن كان الحب حقيقياً وصل بصاحبه إلي شاطئ الأمان فيعيش في بر الحياة عيشة هادئة وناعمة .. أما إذا كان الحب زائفاً فإن الغرق حتمي وستكون النهاية بالتأكيد غير سارة.
.. فمن يتذوق حلاوة الحب الحقيقي فهو من السعداء لأنه يعيش جمال الحقيقة والطهر والسمو بالروح في عالم نظيف ويعيش في نعيم مقيم .. وتظلله سماء العفة.. أما من يستهين بالحب ويستمتع بزيف الحياة فلن ينال سوى لحظات من المتعة الزائفة التى تُجَرّعَه مرارة الكذب والزيف .. والذي يحمل مِشعل الزيف ويظن أنه ينير لنفسه الطريق .. فلن يصل إلي مآربه إلا وقد احترق هو به .
فالحب حقيقة لمن أخلص وأعطي وذاب في شخص الحبيب – دون أن يفقد شخصيته المستقلة- فكل شخص يحب أن يشعر بوجود الشخص الأخر شاخصاً في وجدانه ، وفي نفس الوقت لابد وأن يشعر بوجوده كعقل إلي جانب عقله .. وكيان يكمل كيانه .. فالتوحد أو الذوبان في شخص الأخر لابد وأن يكون بمقدار حتى لا يشعر أحد الأطراف بأنه وحيد ولا يوجد من يضيف إليه جديداً.. وأن الحبيب ما هو إلا نسخة مكررة منه .. فيبحث عمن يٌثريه ويضيف إلي حياته إضافة تشبع احتياجه وتٌشعره بوجوده المستقل وأن كيانه يستند إلي كيان حبيبه يركن إليه وقتما يحتاج إليه.
الحب حقيقة نجدها في قصيدة رومانسية رقيقة تلمس الحس وتداعب المشاعر .. نجدها في لحن يخاطب الوجدان .. في أغرودة طير مرح ينتقل من غصن إلي غصن .. في كلمة رقيقة من ثغر محب.. في صمت اللسان وكلام العيون.. .. في لقاء الأحبة واستهلال الوجوه بابتسامة عذبة .. في لوحة فنان مبهجة الألوان... في مقطوعة موسيقية ناعمة .. في نسمة صيف في ليل شتوي ونسمة هواء في ليل صيفي .. في الإحساس بالدفء تحت ضوء القمر .. في الإحساس بقطرات المطر المليئة بالحياة .. في ألوان الطبيعية عند الأفق ولقاء السماء بالبحر .. في الورود والزهور وروائحها العطرة المعبأة بالنشوة .. في مكان لنا فيه ذكريات جميلة .. في إنسان نحمل له كل تقدير واحترام .. في قلب ينبض إلي جانب قلب ، فيخلقان معاً أبدع سمفونية حب.. في ضحكة بريئة من قلب طفل لا يعرف معنى للحياة سوى أنها ملعب كبير ، يلهو فيه .. فإذا شعر بخوف ما لجأ لأحضان أمه فيضيع أي إحساس بالخوف والرهبة .. الحب هو معنى الحياة .. ولا معنى للحياة بدون الحب.. فلولا الحب لدهس القوي الضعيف .. ولضاقت الدنيا بما رحبت .. وتلاشى نورها وأظلمت ..
الحب حقيقة لصاحب الأحاسيس الجياشة والقلب المستنير المتفائل رغم الصعاب.. ووهم لمن لا يحاول أن يري الجمال في مواطنه الحقيقية .. فإذا اهتدي كل منا لمواطن وكوامن الجمال في ذاته فإنه يكون قد عرف الحب الحقيقي.
ولمعرفة الفرق بين الحب الحقيقي والحب المزيف ينبغي أن نضع تصوراً للحب.. لنعرف من بإمكاننا أن نحبه وما هي مراحل الحب؟
فإذا افترضنا أن الحب كالمثلث يتكون من ثلاثة أضلاع: الأول هو الانجذاب والتودد، والثاني هو الرغبة والافتتان والهيام، والثالث وهو الأهم فهو الارتباط والالتزام!!
فإننا نجد أن كل ضلع من الأضلاع الثلاثة يعتبر مرحلة من مراحل الحب .. فالحب بدايته الانجذاب إلي شخص نجد فيه ما لا نجده في غيره ثم نجد في أنفسنا الرغبة في التقرب منه .. فإذا حدث التلاحم الروحي فإن الافتتان به يتصاعد ويصبح هذا الشخص قائماً في الوجدان لا يبرح مخيلة المحب .. فيطير به الخيال في رحاب الحب ويكون الهيام – وهو المرحلة الثانية- ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي الارتباط .. أي الجمع بين الارتباط الروحي والجسدي .. مما يؤدي إلي وجود دور الالتزام في حياة المحبين .. فالحب أساسه الالتزام .. فليلتزم كل طرف أمام الأخر بتحقيق ما تواعدوا عليه من أماني وأحلام بقدر الإمكان وأن يلتمس كل فرد لطرفه الأخر الأعذار إذا حدثت عوائق تحول دون الوفاء بالوعود .. ويعتبر الالتزام قمة الحب .. لأنه هو الرعاية والمسئولية .. وهو الاحترام والإيثار.. فالاحترام هو التاج المرصع بجواهر الرقة والجمال وهو السمة التى تزين العلاقة بين الطرفين.
وبذلك يكون قد اكتملت أضلاع مثلث دوام الحب الثلاثة ، ويكون الحب قد أخذ شكله الحقيقي الذي يُرضي الأحبة ..
ولكي يحدد الفرد ما إذا كان قد حقق سعادة حقيقية أم لا .. فلينظر لحياته بجميع جوانبها .. ومدى ومتانة علاقته بالآخرين.. وأين وصل في تحقيق أحلامه وأهدافه في الحياة؟ ومدي عطائه .. وكم عدد المرات التى رأي فيها الامتنان في عيون الآخرين ومدي تقدير واحترام الآخرين له .. فإذا شعر بالرضا التام عن تلك الأشياء فإنه قد حقق قدراً كبيراً من السعادة المنشودة .. وأن هذا الفرد يحمل في قلبه قدراً كبيراً من الحب .