النظام السياسي الدولي
أولا ـ العلاقات الدولية ودراساتها.
الدراسة العقلانية للعلاقات الدولية تظهر الإشكالية المنهجية العامة التي يعرفها"علم السياسة" في كليته أو في مجمله. حيث طرائقه أو مناهجه هي انتقائية اختيارية، تعددية و فيها غموض و إبهام.
ـ انتقائية اختيارية : لأنها تستعير من مختلف العلوم، التاريخ،القانون،الجغرافية،وحتى العلوم التجريبية.
ـ تعددية : لأنها متنوعة و على علاقة أو صلة بموضوع الدراسة و كأنها مراجع لها، لا بل ترتبط بالوسط الثقافي التي تنشأ عنه أو تولد فيه؛ ولها تحليلات متعددة مع نتائج متعددة، لها شمولية عالمية تختلط مع الإقليمي والمحلي.
ـ غامضة و مبهمة : لأن هذه التحليلات هي دائما خاضعة لمراجعة و لضمانات معينة، لا نستطيع دائما تقديمها، وقواعدها ليست دائما عقلانية كاملة؛ فهي تدمج أو تمزج بشكل افتراضي، القيم،المراجع الإيديولوجية؛ وهي تابعة دائما للموضوعية التي يحملها الملاحظ أو المراقب هذه الموضوعية هي بدورها خاضعة للمعرفة التي نمتلكها.
فما نستطيع البحث عنه ليس، لا التوقع، ولا بعض الدوافع القطعية الواضحة أو المخفية المختبئة. إنه فقط معقولية أو وضوح العلاقات الدولية بالنسبة لمقاربة معينة و معرفة.
1ـ النظرات الأولى للعلاقات الدولية.
النظرات الأولى هي بشكل كبير متعارضة. إذا هذه العلاقات تظهر وكأنها تتغلغل أكثر فأكثر في الحياة اليومية للأفراد و الجماعات، كما تشهد بذلك مصطلحات مثل العولمة، أو العالمية، فإن التعارض بين المجتمع الدولي و المجتمع الداخلي الذي نعيش فيه ليس بأقل حساسية من ذلك.
أـ الحضور المباشر للمجتمع الدولي.
نلاحظ هذا الحضور على مستوى الفرد والجماعية كما تأثيره في عملية نمو مستمر.
ففي الجانب الفردي والجانب الجماعي : التبادلات الدولية تدمج الأفراد و العلاقات الخاصة تصبح مكثفة، مثل السياحة،الهجرة،الانتقال والمرور، للأفكار والبضائع و الأشخاص، الصور،التكنولوجيا، كل هذا أصبح جزءا من حياتنا اليومية. وعلى صعيد الجماعة، تأثير هذا المجتمع و العلاقات التي تجسده واضح جدا. حيث هناك قرارات كبرى للتوجهات الاقتصادية أو السياسية تِخذ ضمن نطاق عالمي، الكوارث و الصراعات الخارجية أصبحت تعرف من قبل الجميع، كل هذا يسجل ضمن الوعي الجماعي، ثم يحدث نقاشات و ردات فعل داخلية. باختصار، في الأفضل وفي الأسوأ، التعبير الشهير الذي هو " القرية الكونية" الذي وضعه ( ماك لوهان) هو موجود، على الأقل في عقولنا.
في جانب النمو المستمر: هذا الحضور المباشر هو في الواقع ثمرة لتطور بعيد عن الوصول إلى نهايته، وهو مختلف وفق القارات كما هو وفق داخل البلدان، ويعود أيضا لأسباب ثقافية و مستوى في الحياة و المعيشة. ونريد القول هنا أن العلاقات بين الدول لا تستطيع اختصار العلاقات الدولية.
ب ـ التعارض بين المجتمع الدولي و المجتمع الداخلي.
هناك في الواقع خلاف في طبيعة كلا المجتمعين. المجتمع الداخلي بشكل عام هو متجانس، خاضع لقانون واحد، متماسك من خلال الانتماء المشترك، وهو في مكان يستطيع الإجابة على حاجات أعضائه. المجتمع الدولي هو أساس متغاير متباين، ومشكل من كيانات مستقلة أو من أعضاء هذه الكيانات. التغاير هنا له جذوره المختلفة و المتراكمة، جغرافية،تاريخية،ثقافية،سياسية،اقتصادية.
يمكن أن نرى بشكل واضح عملية "المجانسة" المتنامية لهذا المجتمع، بالارتباط مع تكثيف التبادل وتفوق نماذج معينة ثقافية أو سياسية. هذه الحركة من التقارب، والتي تقود إلى التعاون، تشكل وسطا أكثر تضامنية وقوة حيث في داخله الاتصال بين الأفراد، الشعوب والدول هو فوري وسريع.
ج ـ الدولة كحد مشترك بين المجتمعين.
في قلب هذه الاختلافات لا بد من إيجاد جسم سياسي والذي هو في نفس الوقت نطاق للتنظيم القانوني. ضمن هذا المعنى هو ينتمي للمجتمع الدولي بنفس الدرجة التي ينتمي بها إلى المجتمع الداخلي، إنه المفتاح و العنصر الأساسي المنظم. هو مكون من صفات متناقضة ووفق الزاوية التي نراه منها.
على الصعيد الداخلي: الدولة هي التعبير عن الجماعة التي تقوم هذه الدولة بتأطيرها. فهي الترجمة لمبدأ الهوية، ولكن أيضا أداة للهيمنة و لتحقيق السلام في نفس الوقت.احتكار العنف القانوني التي تمتلكه، وهو عند البعض تعريف لها، يسمح لها و يفرض عليها تأمين وضمان السلام الأهلي في القضاء الجغرافي التي تسيطر عليه الدولة. الدولة هي المنتج بمبدأ الشرعية، مهما كان المحتوى، والمصدر لنظام قانوني يسمح لها بإقامة قوانينها الخاصة. و هذا ما نسميه السيادة الداخلية للدولة، قدرتها على الإدارة و الحكم الذاتي، احتكار الوضعية التي تمتلكها تجاه شعبها و إقليمها. وفي هذا المعنى أيضا، الدولة هي محيط لممارسة الحرية. إنها تبقى المحيط الأساسي والجوهري لتنظيم الحريات العامة، الفردية أو الجماعية.
الفاعل الفوري و المباشر: الدولة هي في علاقة مع دول أخرى، ضمن نطاق محدد من العلاقات. إذا هنا الدولة في مواجهة دول أخرى لها سيادتها. والسيادة الدولية في الواقع لديها صفات أخرى غير السيادة الداخلية. هنا المجتمع العائد لعدة دول هو مجتمع لوجود مشترك بين الدول صاحبة السيادة. وتطور المنظمات الدولية، التقنيات المؤسساتية للتعاون بين الدول، لا تغير هذه المعطيات الأساسية. العلاقات التي يتم وضعها أو ربطها ضمن نطاق "ما بين الدول" هي قائمة على قواعد القانون الدولي العام الذي يمتد أيضا لتنظيم التعايش المشترك بين الدول، وليس لتجاوز هذه القواعد. وإنها العلاقات بين الأشخاص القانونيين، تلك التي تربك بشكل مجسد وفعلي بين الأجهزة السياسية و الإدارية التي تتحدث أو تتصرف باسم دولها ذات السيادة.