صيانة القرآن الكريم من التحريف والزيادة والنقص
الدكتور عادل عامر
أجمع المسلمون جميعًا، وعلى رأسهم أهل السنة والجماعة، على صيانة القرآن الكريم من التحريف والزيادة والنقص، وعلى أنه محفوظ بحفظ الله له؛ لقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، والسنة الصحيحة التي نقلتها للأمة كتب الثقات من الحفاظ وعلماء الحديث ليس فيها رواية واحدة صحيحة أو حديث واحد تخالف هذا، بل كل الأحاديث المعتمدة عند أهل السنة تؤكد أن القرآن محفوظ من أي تغيير أو تبديل أو تحريف. بل إن علماء أهل السنة أجمعوا على أن من اعتقد أن القرآن فيه زيادة أو نقص فقد خرج من دين الإسلام، وهذه العقيدة عند أهل السنة من الشهرة والتواتر بحيث أنها لاتحتاج إلى من يقيم أدلة عليها، بل إن هذه العقيدة من المتواترات عند المسلمين. والمسلمون على أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض، المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعته الدفتان من أول {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، إلى آخر {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]، كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقَّص منه حرفًا قاصدًا لذلك أو بدَّله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفًا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأُجمع على أنه ليس من القرآن عامدًا لكل هذا فهو كافر، ولا خلاف بينهم على كفر من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفًا. وأهل السنة مجمعون على أن القرآن لم يحدث فيه أي تبديل ولا نقص منه ولا زيد فيه، خلافًا للرافضة القائلين أن القرآن قد غُير وبُدل وخُولف بين نظمه وترتيبه، فالقرآن جُمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، وأجمعوا عليه ولم ينكر منكر ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه. ولو كان مغيرًا مبدلًا لوجب أن يُنقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه، لأن مثل هذا لايجوز أن يتكتم في مستقر العادة، ولأنه لو كان مغيرًا ومبدلًا لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه ويبين للناس بيانًا عامًا أنه أصلح ما كان مغيرًا، فلما لم يفعل ذلك بل كان يقرأه كما هو؛ دل على أنه غير مبدل ولا مغير. وأهل السنة يفسرون حفظ الله لكتابه، بأنه حفظ له من التحريف والزيادة والنقصان، ولا يتصور مجرد تغيير حرف أو نقطة في هذا القرآن المجيد، حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا، وبقاء هذا الكتاب مصونًا من جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات. أما الشيعة، فلا يؤمنون بالقرآن الموجود بين أيدي المسلمين؛ لأنه حسب عقيدة الشيعة فإن الصحابة كلهم كذابون، وأنهم كانوا يعتقدون أن الكذب عبادة، وهؤلاء الصحابة هم الذين نقلوا لنا القرآن وكتبوه في المصحف الذي بين أيدينا الآن. لكن هناك تناقضًا رهيبًا لدى القوم، وهو أنهم يقولون إن أئمتهم أصحاب تقية، أي كذابون، وأنهم كانوا يعتقدون أيضًا أن الكذب عبادة، فإذا صار سائر الصحابة وأئمة أهل البيت كاذبين فمن الذي يبلغهم هذا القرآن المجيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيقته؟ الروايات الصحيحة عند الشيعة المروية في كتبهم المعتمدة، كلها تصرح بأن القرآن الموجود بين أيدينا محرف ومبدل نقص منه وزيد فيه. وجمهور المحدثين من الشيعة يعتقدون التحريف في القرآن، كما ذكر الحسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه "فصل الخطاب" (ص32). أخرج محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي تحت "باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، وأنهم يعلمون علمه كله": (عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده). وأخرج الكليني أيضًا في أصول الكافي (ص67) طبعة الهند: (عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفًا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبدالله: كف عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قُرأ كتاب الله على حدة، وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله عز وجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم وآله قد جمعته من اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أما والله لا ترونه بعد يومكم هذا أبدًا، إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه). وذكر الكليني أيضًا في أصول الكافي (ص670)، طبعة الهند: (عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دفع إلي أبو الحسن عليه السلام مصحفًا، وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه "لم يكن الذين كفروا"، فوجدت فيه سبعين رجلًا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم). وذكر الكليني في أصول الكافي ص(263)، باب: "فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية": (عن أبي عبدالله عليه السلام: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي"، هكذا والله أُنزلت على محمد صلى الله عليه وآله). ونقل الكليني أيضًا في أصول الكافي ص(264): (عن أبي عبدالله عليه السلام قال: نزل جبريل على محمد بهذه الآية هكذا "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا في علي نورًا مبينًا"). وبعضهم يقول: أن عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته عليهم السلام، منها هذه السورة: "بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم". وقد اعتقد الشيعة التحريف في القرآن لعدم ذكر الإمامة في القرآن الكريم، خاصة وأن الشيعة يعتقدون أن مسألة الإمامة داخلة في المعتقدات الأساسية يكفر منكرها، فهي تتعلق بالإيمانيات كالإيمان بالله وبالرسول. كما اعتقد الشيعة التحريف في القرآن؛ ليتخلصوا من التناقض القائم بين القرآن وكتبهم من حيث منزلة الصحابة رضي الله عنهم، وذلك أن القرآن الكريم يذكر فضل أصحاب رسول الله الكريم، ويشهد على مقامهم السامي وشأنهم العالي، ومرتبتهم الراقية، ودرجاتهم الرفيعة، بينما الشيعة يسبونهم ويكفرونهم ويصفونهم بأفحش الصفات.