صفات الخالق على صفات المخلوقين كفر
أصل كل محنة في العقائد قياس أمر الخالق على أحوال الخلق. فإنه الفلاسفة لما رأوا إيجاد شيء لا من شيء كالمستحيل في العادات قالوا بقدم العالم. ولما عظم عندهم في العادة الإحاطة بكل شيء قالوا: إنه يعلم الجمل لا التفاصيل. ولما رأوا تلف الأبدان بالبلاء أنكروا إعادتها. وقالوا الإعادة رجوع الأرواح إلى معادنها. وكل من قاس صفة الخالق على صفات المخلوقين خرج إلى الكفر. فإن المجسمة دخلوا في ذلك لأنهم حملوا أوصافه على ما يعقلون. وكذلك تدبيره عز وجل، فإن من حمله على ما يعقل في العادات رأى ذبح الحيوان لا يستحسن، والأمراض تستقبح، وقسمه الغني للأبله، والفقر للجلد العاقل أمرا ينافي الحكمة. وهذا في الأوضاع بين الخلق. فأما الخالق سبحانه فإن العقل لا ينتهي إلى حكمته. بلى. قد ثبت عنده وجوده وملكه وحكمته. فتعرضه بالتفاصيل على ما تجري به عادات الخلق، جهل. ألا ترى إلى أول المعترضين وهو إبليس كيف ناظر فقال: أنا خير منه، وقول خليفته وهو أبو العلاء المعري:
رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
ونسأل الله عز وجل توفيقا للتسليم، وتسليما للحكيم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. أترى نقدر على تعليل أفعاله فضلا عن مطالعة ذاته؟ وكيف نقيس أمره على أحوالنا؟ فإذا رأينا نبينا يسأل في أمه وعمه فلا يقبل منه، ويتقلب جائعا والدنيا ملك يده. ويقتل أصحابه والنصر بيد خالقه، أو ليس هذا مما يحير. فما لنا والاعتراض على مالك قد ثبتت حكمته واستقر ملكه.