المعنى الفقهي لبطاقات الائتمان
الدكتور عادل عامر
البطاقات جمع بطاقة، وهي تطلق على الرقعة الصغيرة من الورق أو غيره، يكتب فيها رقم ثمن ما تعلق عليه، ويطلق الائتمان على الثقة وعدم الخيانة، يقال: أمنه، وأمنه تأمينًا، وائتمنه، واستأمنه، وقد أمن فهو أمين وأمان: مأمون به ثقة، والأمنة: الذي يثق بكل أحد(1).
المعنى الفقهي لبطاقات الائتمان
تشيع في كتب الفقه الإسلامي في أبواب المعاملات لفظة (استئمان)، ويراد بها: جعل يد الإنسان على مال غيره يد أمانة، بحيث لا يضمن ما تلف يده إلا بالتعدي فيه، أو التقصير في حفظه، وعقد الاستئمان عند الفقهاء هو عقد الاسترسال أو الاستسلام، بأن يقول المرء لغيره: اشترِ مني كما تشتري من الناس فإني لا أعلم القيمة، فيشترى منه سلعته بما يعطيه من الثمن(2). وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي بطاقة الائتمان بأنها: مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري - بناءً على عقد بينهما - يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالاً، لتضمنه التزام المصدر بالدفع، ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف(3).
المعنى الاقتصادي لبطاقات الائتمان عرفت بطاقة الائتمان في المعجم الاقتصادي العربي بأنها "بطاقة خاصة يصدرها المصرف لعميله، تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من محلات وأماكن معينة عند تقديمه لهذه البطاقة، ويقوم بائع السلع والخدمات بتقديم الفاتورة الموقعة من العميل إلى المصرف – مصدر الائتمان – فيسدد قيمتها له، ويقدم المصرف للعميل كشفًا شهريًا بإجمالي القيمة، لتسديدها أو لخصمها من حسابه الجاري طرفه(4).
المعنى القانوني لبطاقات الائتمان إن كلمة (Card) البطاقة التي يصدرها البنك أو غيره لحاملها، مدون عليها بعض البيانات الخاصة لمن صدرت له، وأما كلمة (Credit ) فإنها تعنى في عرف القانونيين، قيمة السلع التي تم الاتفاق عليها أن يؤجل المشترى دفعها إلى وقت معلوم يحدده له البائع، وفسرها القانون البريطاني بأنها تعني "القرض النقدي وأي نوع آخر له صيغة مالية" وبين القانون الأمريكي المقصود من هذه الكلمة في المجالين الاقتصادي والتجاري، وأنها تعني "منح دائن لشخص قرضًا مؤجل السداد أو إحداث دين مؤجل الدفع، وأية علاقة ببيع البضائع والسلع، وتقديم الخدمات. وعلى هذا فإن الاسم الحقيقي الذي ينبغي إطلاقه على هذه البطاقات، هو بطاقات الإقراض، وليس بطاقات الائتمان؛ ذلك لأن هذه البطاقات لا يشترط لمنحها أن يكون للعميل حساب دائن لدى مصدر البطاقة، ومن ثم فإن قيمة السلع والخدمات التي يحصل عليها حامل البطاقة في هذه الحالة، تمثل قرضًا عليه للمصرف أو البنك الذي أصدر البطاقة، والذي يتولى السداد عن العميل عند تقديم فواتير السلع والخدمات إليه، بل إن النقد الذي يحصل عليه العميل من أي مصرف أو بنك لهذه البطاقة يعد قرضًا عليه كذلك لمصدر البطاقة، الذي يقوم بالوفاء ببدل القرض إلى الجهة المانحة له، فهذه البطاقة تخول حاملها الحصول على قرض غير مباشر من مصدرها، ولهذا فإن الأولى أن يطلق عليها "بطاقة الإقراض", وأما الائتمان الذي اصطلح عليه أعضاء مجمع الفقه الإسلامي، فإنه لا يعنى الإقراض، وإن كان يعني الثقة, ولا تلازم بين الإقراض والثقة(5). البطاقة الأكثر انتشارًا
ولعل البطاقة الائتمانية المقرضة المتجددة هي الأكثر انتشارًا في العالم، وخاصة في الدول المتقدمة، ونعني بالمتجددة أي التي يتولد منها دين متجدد أو دوار (Reruling)؛ إذ إن حاملها لا يلزم عند تسليمه الفاتورة الشهرية من مصدر البطاقة، إن يدفع الأموال المستحقة عليه قيمتها كاملة، وإنما يلتزم في الغالب بدفع نسبة قليلة من هذه الأموال ويؤجل الوفاء بالباقي إلى الشهر التالي، ويستحق على المبلغ المؤجل سداده إلى الشهر التالي فائدة لمصدر البطاقة.
التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان
اختلف العلماء المعاصرون في التكييف الفقهي لبطاقات الائتمان أو الإقراض على أساس أنها أوجدت علاقات متشابكة يختلف معها الرأي الفقهي وفقًا لكل علاقة... فهناك:
أ – علاقة بين مصدر البطاقة وحاملها.
ب – وعلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر.
ج – وعلاقة بين حامل البطاقة والتاجر.
ويمكن إجمال هذه الآراء فيما يلي:
(1) تخريج البطاقة على أساس الحوالة(6)
ويقوم هذا التكييف على أساس أن حامل البطاقة هو المحيل، والتاجر هو المحتال، والبنك المصدر للبطاقة هو المحال عليه، أو أن التاجر هو الذي يحيل مصدر البطاقة بما دفعه له، على حامل البطاقة. إلا أن هذا التخريج محل نظر لما يلي :
أ – إن هذا التكييف، يترتب عليه الحوالة بالدين على من لا دين عليه للمحيل، ومن ثم فإنها تكون حوالة على مقرض، وهو قرض يحقق نفعًا للبنك، ولهذا فهو قرض ربوي، وتكون الحوالة التي يترتب عليها هذا القرض الربوي حوالة غير جائزة، لأنها طريق إلى ما لا يجوز شرعًا(7). ب – إن عقد الحوالة يقتضى أن يكون للمحتال حق الرجوع على المحيل إذا كان المحال عليه غير مدين، ولكن التاجر (المحتال) ليس له حق الرجوع على حامل البطاقة (المحيل) لاقتضاء دينه منه(
. ج – إن من آثار عقد الحوالة، انتقال الدين من ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه، بحيث تبرأ ذمة المحيل من الدين، فلا تتوجه إليه المطالبة مره أخرى، وهذا لا يحدث بالنسبة للمحيل في بطاقة الائتمان (حامل البطاقة)، حيث تظل ذمته مشغولة بهذا الدين حتى يسدده البنك. د – إن البنك المصدر للبطاقة ( المحال عليه ) يقوم بخصم نسبة معينة من قيمة الفواتير المقدمة إليه، في مقابل الوفاء بها، وهذا الخصم كسب ربوي لأن البنك ليس ضامنًا فيأخذ أجر الكفالة وليس وكيلاً عن التاجر فيأخذ أجر الوكالة وليس سمسارًا فيأخذ أجر السمسرة.
(2) تخريج البطاقة على أساس الضمان
يقوم هذا التخريج على أساس أن العلاقة بين أطراف البطاقة تقوم على أساس الضمان بمفهومه وشروطه وأحكامه في الفقه الإسلامي، حيث أورد بعض فقهاء الحنفية صورة شبيهة ببطاقات الائتمان في باب ضمان ما يبايع به الرجل(10).
ونص هذه الصورة كما وردت: "إذا قال الرجل لرجل: بايع فلانًا، فما بايعته من شيء فهو على، فهو جائز على ما قال". وبتطبيق هذه الصورة على أطراف بطاقة الائتمان، فإن الرجل الأول في هذه الصورة بمثابة البنك المصدر للبطاقة، والرجل الثاني بمثابة التاجر في بطاقة الائتمان, وفلان المذكور في هذه الصورة بمثابة حامل البطاقة، وإذا كانت هذه الصورة جائزة عند فقهاء الحنفية، فيجوز ما كان على شاكلتها وهو المعاملة ببطاقات الائتمان, وقد أورد صاحب هذا التخريج تفريعات هذه الصورة التي تكاد تنطبق على بطاقة الائتمان, ومن ذلك ما يلي: • إن مصدر البطاقة لا يلتزم بالسداد قبل ثبوت الدين، وبإقرار حامل البطاقة المتمثل في توقيعه على فاتورة البيع، وهو ما يؤكده السرخسي بقوله: "لو قال ما لزمه من شيء فأنا ضامن به، ولزمه ما أقر المكفول عنه" لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة. • إن البطاقة تتيح لحاملها تكرار الشراء، وهو ما صوره السرخسي بقوله: "وإذا بايعه مرة بعد مرة، فذلك كله على الكفيل". • إن إصدار البطاقة يقتضى أن يضع البنك المصدر غالبًا حدًا أقصى لحاملها، لا يتجاوزه عند التعامل بها، فإذا تجاوزه فإن البنك لا يكون ملتزمًا بسداد ما زاد على هذا الحد، وهو ما ذكره السرخسي في إحدى الصور بقوله: "لو قال: بعه ما بينك وبين ألف درهم، وما بعته من شيء فهو علي إلى ألف درهم، فباعه متاعًا بخمسمائة، ثم باعه حنطة بخمسمائة، لزم الكفيل الحالات جميعًا، وإن باعه متاعًا آخر بعد ذلك، لم يلزم الكفيل من ذلك شيء، لأنه قيّد الكفالة بمقدار الألف، فلا تلزمه الزيادة بعد ذلك" .