الملكية العامة والخاصة في الإسلام
الدكتور عادل عامر
لقد جاء الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا ونيف فأقر كلًا من الملكية الخاصة والملكية العامة، ولكنه على خلاف مختلف المذاهب والنظم الوضعية لم يطلقهما، وإنما وضع عليهما قيودًا عديدة، فمن حيث الملكية الخاصة حماها الإسلام إلى حد قطع يد السارق، إذ يقول الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، فيما أقر الإسلام الملكية العامة التي كان متعارفًا عليها ومسلمًا بها قبل ظهوره فأعطاها الصفة الشرعية، ومن قبيل ذلك الأراضي التي لا مالك لها، وملكية المعادن في باطن الأرض، وملكية المرافق الرئيسة: كالطرق ومنابع المياه والمراعي، والقوت الضروري كالملح وما يقاس عليه، وكنزع الملكية لمنفعة عامة بشروط تعويض أصحابها. فالملكية الخاصة إذن حق من الحقوق الشخصية التي تكفلت الشريعة الإسلامية بالحفاظ عليها ومنعت التعدي عليها؛ لأنها علاقة بين الإنسان والمال والتي قررها الله تعالى، كما أنها تتعلق بالأعيان والمنافع يقول الله تبارك وتعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) [رواه مسلم، (6706)]، ويقول: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)) [رواه البيهقي في شعب الإيمان، (5251)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، (7662)]. وتنقسم الملكية في الشريعة الإسلامية إلى قسمين: ملكية تامة وأخرى ناقصة، والملكية التامة هي ملكية الرقبة والمنفعة معًا، أما الناقصة فتعني تملك الرقبة دون المنفعة، أو تملك المنفعة دون الرقبة، وهي تقبل التقيد بالشروط في حق الانتفاع وفي زمان الانتفاع ومكانه، ولا تنتقل بالميراث إذا انتهت مدة العقد، وتنتهي بوفاة المستأجر، علمًا بأن ملك المنفعة يتحقق بأسباب أربعة هي: الوقف والوصية والإعارة والإجارة. وفيما يخص الإيجار فإنه يعني لدى الفقهاء في الإسلام "عقد على المنافع بعوض"، فلا يصح استئجار الشجر من أجل الانتفاع بالثمر؛ لأن الشجر ليس منفعة، ولا الطعام للأكل، ولا المكيل والموزون لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك أعيانها، وكذلك لا يصح استئجار بقرة أو شاة لحلب لبنها؛ لأن الإجارة تملك المنافع وفي هذه الحال تملك اللبن وهو عين والعقد يرد على المنفعة لا للعين، فعقد الإجارة يبيح للشخص أن ينتفع بملك الغير أو يستعمله لمدة معلومة بأجرة معلومة يتراضيان عليها، وهذا ما ذهب إليه الأحناف، أما الشافعية فقالوا عقد يرد على منفعة متصورة معلومة مباحة بعوض معلوم، وذهب المالكية والحنابلة إلى أن الإيجار هو تمليك المنافع لأشياء مباحة معلومة بعوض، وعند الجمهور هو مشروع بالاتفاق. والمنفعة قد تكون عين كسكنى الدار أو ركوب السيارة، وقد تكون منفعة عمل مثل عمل المهندس والبناء والنساج والصباغ والخياط والكواء، وقد تكون منفعة الشخص الذي يبذل جهده مثل الخدم والعمال، يقول الله تبارك وتعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. ويقول: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 26-27]. وقد وضع الفقهاء شروطًا لصحة عقد الإيجار:
1. رضا العاقدين: فلو أُكرِه أحدهما على الإجارة فإنها لا تصح؛ لأنها تكون من باب أكل أموال الناس بالباطل، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
2. معرفة المنفعة المعقود عليها معرفة تامة تمنع من المنازعة، وأن تكون مدتها معلومة، والقيمة الإيجازية المُتفق عليها معلومة.
3. أن تكون المنفعة مباحة لا محرمة ولا واجبة؛ فلا تصح الإجارة على المعاصي، لأن المعصية يجب اجتنابها.
4. القدرة على تسليم العين المستأجرة مع اشتمالها على المنفعة؛ فلا يصح تأجير شاردة، ولا مغصوب لا يقدر على انتزاعه لعدم القدرة على التسليم. وكان مما أباح الله استئجاره المنازل للسكن أو للانتفاع بها فيما أحل الله عز وجل، غير أنه يجب توفر ما سبق من شرط تحديد مدة معلومة لهذا الإيجار، يقول ابن قدامة في المغني: (أجمع كل من أحفظ عنهم من أهل العلم أن استئجار المنازل والدواب جائز ولا تجوز إجارتها إلا في مدة معينة ومعلومة، ولابد من مشاهدتها وتحديدها فإنها لا تعد معلومة إلا بذلك ولا يجوز إطلاقها) [المغني، ابن قدامة المقدسي، (11/400)]؛ لهذا فقد أفتى الكثير من العلماء والفقهاء ببطلان عقد الإيجار الذي لا يحدد مدة بعينها في الإيجار. أما من الناحية القانونية، فإن عقد الإيجار هو اتفاق يتم بين شخص له مصلحة قانونية في أرض أو غيرها من الممتلكات وشخص يستأجرها منه، فالشخص الذي يُعطي عقد الإيجار يُدعى المؤجِر، أما الشخص الذي يمنح العقد فيُدعى المستأجر، ويُطلق على عقد الإيجار أحيانًا الإيجار، بينما يُسمى التعويض الذي يوافق المستأجر على دفعه إلى المؤجِّر الأجرة. وعقد الإيجار مدى الحياة ينتهي عندما يموت المستأجر، أما العقد لأجل محدد فيبدأ وينتهي في التواريخ المحددة في عقد الإيجار، ولا ينتهي عقد الإيجار عندما يموت المستأجر أو المؤجر وإنما يبقى مٌلزِمًا لورثة كل من الطرفين. كما تستمر بعض عقود الإيجار لمدة طويلة تصل 99 عامًا مثلًا، ومثل هذه الإيجارات تُعطي المستأجر عادة امتيازات أكبر من تلك الممنوحة للمستأجر لأجل محدد. وهذا التعريف العام يتفق في كثير منه مع ما جاء في قانون إيجار الأماكن المصري رقم 49 لسنة 1977م، و136 لسنة 1981م، الذي بالنظر فيه نجده مخالفًا لشرط تحديد المدة الذي اتفق عليه الفقهاء، فحين نصت المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977م، والمُعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981م على أنه لا ينتهي عقد الإيجار بوفاة المستأجر أو تركه للعين؛ إذا بقيت فيها زوجته أو أولاده أو أي من والديه اللذين كانا مقيمين معه حتى الوفاة أو الترك. وتعود بداية مثل هذه التشريعات الخاصة إلى ما صدر من أوامر عسكرية اعتبارًا من سنة 1941م وحتى القانون رقم 121 لسنة 1947م ثم القانون رقم 52 لسنة 1969م، إذ منعت تلك التشريعات المؤجر من إخراج المستأجر من المكان المؤجر ولو بعد انتهاء عقد الإيجار، وسمحت للمستأجر بالبقاء شاغلًا للعين ما دام موفيًا بالتزاماته على النحو الذي فرضه عقد الإيجار وأحكام القانون، وهي التشريعات التي جاءت لتحقيق غاية أملتها اعتبارات النظام العام حينذاك؛ إذ ادَّعوا أن في ذلك حماية للمستأجرين، وحلًّا للأزمة السكانية،