الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: الرحمة في الإسلام الجمعة يونيو 26, 2009 11:29 am | |
| الرحمة في الإسلام الدكتور عادل عامر الرحمة من الأخلاق والمبادئ الأساسية في الإسلام، وهي رقةٌ في القلب وحساسية في الضمير، وإرهافٌ في الشعور، تستهدف الرأفة بالآخرين، والتألم لهم، والعطف عليهم، وكفكفة دموع أحزانهم وآلامهم.. وهي التي تهيب المؤمن أن ينفرَ من الإيذاء وينبو عن الجريمة، ويصبح مصدرَ خيرٍ وبر وسلام للناس أجمعين (1). والرحمة في أفقها الأعلى، وامتدادها المطلق صنعة المولى تباركت أسماؤه، فإن رحمتَه شملت الوجود، وعمَّت الملكوت، فحينما أشرق شعاع من علمه المحيط بكل شيءٍ أشرق معه شعاع للرحمة الغامرة (2). ولقد جاء لفظ "رحم" ومشتقاته ثلاثمائة مرة في القرآن الكريم؛ الأمر الذي يدل على اتساع المساحة التي تشغلها الرحمة في الحياة الدينية والإنسانية. ولذلك كان من صلاة الملائكة لله- عز وجل-: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)﴾ (غافر). ولعظم الرحمة وأهميتها، وصف الله تعالى بها نفسه، مرة باسم الرحمن، ومرة باسم الرحيم، فهو رحمن الدنيا، رحمة تعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة؛ حيث تخص رحمته المؤمنين وحدهم: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ (الأحزاب: من الآية 43). وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ﴾ (النساء: من الآية 175). وقال عز وجل: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56) وكثير من أسماء الله الحسنى ينبع من معاني الرحمة والكرم والفضل والعفو، وقد جاء في الحديث القدسي: "إن رحمتي تغلب غضبي" (3)، أي أن تجاوزه عن خطايا البشر يسبق اقتصاصه منهم، وسخطه عليهم، وبذلك كان الله- عز وجل- أفضل الرحماء: ﴿وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)﴾ (المؤمنون)، فالله تعالى هو أرحم بخلقه من غيره، إذ إنه هو الذي خلقهم، فهو أرحم بهم من أمهاتهم اللائي ولدنهم. ورحمة الله تسع كل الخلائق، والذين يتقون الله- عز وجل- ينالهم النصيب الأكبر من رحمة الله، يقول تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 156). ونستطيع أن ندرك أن الرحمة في لغة الكتاب العزيز هي: كشف الضر أو العذاب عن الناس، أو تخفيفه عنهم، أو تجنيبهم إياه، يقول عز وجل: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا﴾ (يونس: من الآية 21)، ويقول تبارك وتعالى: ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ (الإسراء: من الآية 54). وقد جعل الله تعالى الرحمةَ صفةً أصيلةً في الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (128)﴾ (التوبة)، ويقول تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، بل إن الله تعالى أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، وجعله رحمةً لكل البشر، فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء). يقول الشيخ الغزالي: "لقد أرادَ الله أن يمتن على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفف أحزانه، ويرثي لخطاياه، ويستميت في هدايته، ويأخذ ويناصر الضعيف، ويقاتل دونه قتال الأم عن صغارها، ويخضد شوكة القوى حتى يرده إنسانًا سليم الفطرة، لا يضرى ولا يطغى.. فأرسل محمدًا عليه الصلاة والسلام، وسكن في قلبه من العلم والحلم، وفي خلقه من الإيناس والبر، وفي طبعه من السهولة والرفق، وفي يده من السخاوة والندى ما جعله أزكى عباد الله رحمة وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدرًا" (4). والرحمة مبادرة إنسانية نبيلة تبرهن على سلامة حسنا الخلقي وحدته، وعلى نضج إنسانيتنا، وتوطد مشاعر الإخاء الإنساني في ضمائرنا. الرحمة هي التعبير الخلقي العملي عن تعاطف الإنسان مع أخيه الإنسان حين يواجه المرض أو الألم، أو حين يقع في المآزق والملمات دون أن يجد الحيلة للفكاك منها، والإنسان الرحيم يبادر إلى هذا أو ذاك تحدوه الرغبة في كشف العذاب عنه أو تخفيفه عن كاهله (5). - رحمة التشريع الإسلامي: من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم ما يرفع عنهم الحرج، ويجلب لهم المصلحة، يقول الله- عز وجل-: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)﴾ (النحل)، فالرحمة في اتباع كتاب الله، بتحليل حلاله، وتحريم حرامه، والبشرى في تحقيق معنى الإسلام، ويقول تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء: من الآية 82). ففي منهج القرآن رحمة من أمراض القلب التي تجعل حياة الإنسان عذابًا، بما فيه من نار الحقد، والحسد، والقلق، والحيرة، والشك، وعبودية الهوى، وفي منهج القرآن رحمة من أمراض النفس التي تجعل حياة الإنسان جحيمًا، وفي منهج القرآن الرحمة من انحراف العقل وشروره، وفي منهج القرآن الرحمة لأعضاء الجسد بكفها عما هو من شأنه أن يصيبها بالضرر، وفي منهج القرآن الرحمة بتشريعاته التي ترفع الحرج والمشقة والعنت عن الناس، وتجعل المصلحة العامة مقصدًا من مقاصده؛ وفي منهج القرآن الرحمة من العلل الاجتماعية التي تفتك بالمجتمع وتفقده أمنه وطمأنينته (6). وفي الحديث عن نفي الحرج والمشقة يقول تعالى: ﴿طه (1)مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)﴾ (طه)، وإذا تطرقنا إلى المجالات المختلفة للتشريع الإسلامي نجد أنها تتسم بالرحمة ورفع الحرج: أولاً: في مجال العبادات: يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج). يقول ابن كثير- رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ (الحج: من الآية 78)، أي: ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيءٍ يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجًا ومخرجًا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعًا، وفي السفر تقصر إلى اثنين، وفي الخوف تصلى رجالاً (مشاة) وركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. والقيام فيها يسقط لعذر المرض فيصليها المريض جالسًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى | |
|
الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| |
الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: رد: الرحمة في الإسلام الجمعة يونيو 26, 2009 11:31 am | |
| من النماذج التطبيقية للرحمة 1- الرحمة بالوالدين: ويكون ذلك بخفض الجناح لهما، والقيام على خدمتهما، وحسن رعايتهما، والتذلل لهما لكسب ودهما.. يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)﴾ (الإسراء). وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾ (لقمان). وقد حثت السنة النبوية الشريفة على بر الوالدين، فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله"(12). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم"(13). وروى عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبويَّ شيء أَبرُّهُما به بعد موتهما؟ قال: "نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما" (14). ويمكن أن نعدد أنواع البر بالوالدين في النقاط التالية: أ- عدم التضجر منهما ولو بكلمة "أف"، بل يجب الخضوع لأمرهما وخفض الجناح لهما، ومعاملتهما باللطف، وعدم الترفع عليهما. ب- الشكر لهما، وهذا الشكر الذي جاء مقرونًا بشكر الله والدعاء لهما: ﴿وقٍل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرًا﴾ (الإسراء: 24). ج- الإحسان إليهما في القول والعمل، والأخذ والعطاء، وتفضيلهما على النفس والزوجة، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمَين ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)﴾ (لقمان: 15). د- رعايتهما ولاسيما عند الكبر، وإدخال السرور عليهما وحفظهما من كل سوء. هـ- الإنفاق عليهما عند الحاجة ﴿قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ﴾ (البقرة: 215). و- استئذانهما قبل السفر، وأخذ موافقتهما إلا في حج فرض. ز- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها، والبر يكون بمعنى حسن الصحبة، والعشرة، وبمعنى الطاعة والصلة. ح- الدعاء لهما بعد موتهما، وإنفاذ عهدهما، وبر صديقهما (15). 2- الرحمة بالأولاد: ويكون ذلك بحسن تربيتهم، انطلاقًا من مسئوليته عنهم أمام الله تعالى، يقول عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: 6). كما تكون الرحمة بهم بإشباعهم من العطف والحب والحنان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أو الحسين بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي"، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا قط: فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "من لا يرحم لا يُرحم" (16)، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان له ثلاث بنات، وصبر عليهن، وكساهن من جدته، كُنَّ له حجابًا من النار" (17). ولتحقيق الرحمة بالأولاد يمكن اتباع ما يلي: أ- الحرص على تعليم ما ينفع الولد، وعدم تركه سدى، فليس من الرحمة إهمالهم بما يترتب على ذلك فسادهم. ب- البعد عن مجالس اللهو والباطل وسماع الفحش والبدع، فليس من الرحمة تعليمهم هذه الموبقات. ج- تجنيب الولد الكذب والخيانة. د- تجنيبه الكسل والبطالة والدعة والراحة. هـ- تجنيبه مظانّ الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج (18). 3- صلة الرحم: | |
|
الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| |