"لا أحبذ الارتباط بالأرملة خصوصا إن كان لها أولاد" بهذه العبارة أوضح لنا "السيد عفيف" (45 سنة) موقفه من الزواج بالأرملة، وحين سألناه عن مرجعية موقفه هذا أوضح: "السبب بسيط، الأرملة ولاؤها وتفكيرها دائما يكون مع أولادها وأبيهم حتى وإن كان متوفى، وزوج الأم يظل دائما في المكانة السيئة لدى الأولاد، وقد يبادلهم نفس الشعور؛ لأنهم يحولون دائما بينه وبين زوجته".ويعترف السيد عمر الكنتاوي (27سنة) الذي ينتمي إلى مجتمع صحراوي يحتفي بالمرأة عموما مهما اختلف وضعها، أن قرار الاقتران من الأرملة صعب ويدعو للحيرة، يقول: "في مجتمعنا، وحين يفكر العازب بالزواج يبحث في الغالب عن الزوجة العذراء البكر، فالرجل يريد المرأة له، امرأة جديدة لم يلمسها رجل قبله، وحتى إن كان مساسه لها شرعيا، أما الثيب مطلقة كانت أو أرملة فلها أن تقنع بمطلق أو أرمل أو حتى متزوج، هذا إن وجدت من يقبل بها زوجة".وبنفس الوضوح يشرح لنا واقع الأسر أمام هذا الموقف: "الأسرة والعائلة والمجتمع بكامله يفضلون أن تكون زوجة ابنهم عذراء، وقد تكون الأم أو الجدة هي الأكثر تعصبا ضد الأرملة مقارنة بالرجل، مما يحمل الأسرة بأكملها على رفض ذلك النموذج من النساء".استفزني هذان الرأيان اللذان عبرا بوضوح عن الثقافة المجتمعية السائدة التي تتكرر وتورث بلا مرجعية عقلية ولا نقلية، فزاد تصميمي على استطلاع آراء المزيد من الرجال حول موقفهم من الارتباط بالأرملة، خصوصا إن كان لها أولاد، وكلي أمل أن أجد من بينهم من يملك الجرأة على تغيير هذا النمط المجحف من المفاهيم، لكني ومن خلال جولة مع عشرين آخرين اختلفت أعمارهم ومشاربهم الثقافية والفكرية، اكتشفت أن الواقع المعاش أثبت مخالفة الرأي للمواقف المعمول بها، وتكريس مبدأ أن القول شيء والفعل شيء آخر في مجتمعنا. فرغم أن أغلب الآراء التي استقيناها أبدت تفهما وتعاطفا مع وضعية الأرملة خصوصا الفئة الشابة منهم، وحاولت تغليب جانب الحكمة والعقل، ومحاولة تفهم الطرف الآخر وعدم الانسياق مع تقاليد المجتمع، إلا أنه وبنظرة سريعة إلى واقع الأرامل في مجتمعنا العربي، وإحصاء نسبة الزيجات التي تمت في صفوف هذا الصنف، لن نكون مبالغين إذا قلنا إنه بات من النادر زواج أرملة، وحتى إن استوفت الشروط التي وضعها هؤلاء الشباب مسبقا، كأن تكون الأرملة المراد الزواج بها دون أولاد، وأن تكون غنية وجميلة، بالإضافة إلى عامل السن الذي كان له حضوره المؤكد. ولتعميق النظرة وإسقاط طابع العلمية على ما توصلت إليه من نتائج ومعطيات، قمت بإحصاء بواسطة استمارة تحتوي سؤالا واحدا: ما موقفك من الزواج بالأرملة؟ وجعلت الجواب اختياريا بين أمرين إما "مع" وإما "ضد"، واكتفيت بمائتين وستة وعشرين (226) رجلا مستجوبا، فجاءت النتائج مؤكدة أن الآراء أغلبها تؤيد الزواج بالأرملة، حيث صوت 151 مستجوبا بالموافقة بنسبة (,8166%) في حين صوت 75 مستجوبا (% 33,18) بأنه ضد زواجه منها. وبمقارنة بسيطة بين معطيات الآراء المحصاة ميدانيا، وبين المواقف الحقيقية على أرض الواقع التي استقيناها من جدول سكان الوسط الحضري لمدينة مراكش المتراوح أعمارهم بين 15 سنة فأكثر حسب الوضعية المدنية والجنس، يتبين لنا جليا هذا الفرق الشاسع بين الآراء والمواقف، فقد دلت الأرقام على أن نسبة الأرامل الإناث بالمدينة تفوق نسبة الأرامل الذكور بمقدار 10%، في حين تجاوزت نسبة العزاب 45%، وهنا نطرح السؤال ثانية عن مدى تطابق الرأي مع الموقف في واقع مجتمعنا؟؟.الموافقون على مبدأ الاقتران بأرملة إن ادّعوا استقلالهم عن آبائهم نظريا فهم لهم تابعون عمليا، فمن خلال الاستجوابات المختلفة التي تم إجراؤها يتبين أن الزواج من الأرملة ذات الأولاد عمل إما مرفوض.. أو مقبول.. أو متوقف في الحكم عليه، فالذين يرفضون يعللون أجوبتهم بأسباب منطقية وأخرى واقعية.. أهمها كون الزوجة الأرملة لا تستطيع الجمع بين حبين اثنين، حب الأولاد وحب الزوج الجديد فتكون النتيجة هي تفضيل الأولاد على الزوج، يليها المحيط الاجتماعي والثقافة السائدة المانعة من تقبل الزواج من الأرملة ذات الأولاد، ومن ثم فإن العلاقة بين الزوج والأرملة ستتأثر بالتأكيد من تداعيات هذين العنصرين. وهذا الموقف لا أراه سلبيا في حد ذاته؛ لأن اتخاذ قرار الزواج بالأرملة متعلق بنوع الشخص المقبل عليه، وكلما كان هذا القرار مرتبطا بالواقع والمنطق الدقيق كلما كان أقرب للنجاح عند الشخص العادي. ولكن هذا لا ينفي أن هناك موقفا إيجابيا أبداه المتقبلون للمبدأ أصبغ على الزواج بالأرملة ذات الأولاد بعدا إيمانيا أو عاطفيا، فالزواج من الأرملة يمكن اعتباره عبادة يتقرب بها الزوج من الله، وذلك إن أحسن للأرملة من جهة وصان أبناءها من الضياع من جهة ثانية، أما من الناحية العاطفية فهناك من يرى بأن الحب الصادق الذي يمكن أن يربط الأرملة بزوجها الثاني قد يتجاوز في قوته كل المعوقات الاجتماعية والثقافية، فالعاطفة تحتوي الواقع وتعلو عليه ومن خلال الموقفين السابقين يمكننا القول إن الزواج بالأرملة ونجاحه متوقف على نوعية المقبل والمقبلة عليه على السواء، فلو كان المقبل عليه على دين ومتمسك بالأبعاد الإيمانية، فإن هذه الأبعاد كفيلة بإنجاح هذا الزواج؛ نظرا لارتباطه ببعد داخلي في الإنسان، ويبتغي من وراء فعله أجرا آجلا، فالمعتقد كما هو معلوم يؤثر في سلوك الإنسان أيما تأثير. أما إن كان أساسه هو الحب وحده فهو معرض لا محالة لامتحانات صعبة قد يتجاوزها أو تتجاوزه، ذلك أن الحب والميل لشخص ما خاضع اضطرارا لعوامل التطور والتغير حسب الزمان والمكان والواقع، كذا الثقافة والمجتمع يؤثران في اختيارات الأفراد وميولهم ومواقفهم العاطفية. أن المواقف تكون مكتسبة لا فطرية، وأن الدراسات أظهرت أن الفرد يكتسب مواقفه داخل الأسرة من خلال طرق التربية وأساليبها وأنماط العلاقات بالأبوين، كما ذهب إلى ذلك كل من (شوين) و(ويتمر)، كما أن المواقف قد تكتسب من خلال الحس المشترك، أو من خلال الاعتماد على نموذج المعايير المعمول بها كنمط إرشادي لسلوك مجموعة مجتمعية ما؛ لتعمل هذه المعايير على التأثير في الموقف أو في الاختيارات كالاختيار بين الأرملة والعذراء، المطلق والأعزب وهكذا. وحين طرحت تساؤلاتي حول الإشكال المطروح في مواقف اختيار أو عدم اختيار المطلقة أو الأرملة وكلاهما يشتركان في فقدان عذريتهما عموما، أوضح الأستاذ "زكار" بأنه لابد من العروج على البنيات الذهنية المكونة داخل ثقافة معينة، وأن العذرية في الثقافة العربية رمز للصفاء وللأرض العذراء التي لم يطأها بشر، وبالتالي هي رمز للخصوبة والعطاء على حد تعبير "مالك شبال" صاحب مؤلف "الجسد في التقليد المغاربي".واستطرد قائلا: "إذا كانت هذه الرمزية التي يحويها معيار العذرية بين ثناياه تجعل المستجوبين يقبلون بالزواج بالأرملة، فإن اللاشعور الجمعي يشدهم إلى التخلي عن هذه الفكرة وبسرعة، باستعمالهم كلمة: نعم ولكن...، من هنا وللنفاذ إلى صلب كيفية تكوين المواقف من زواج الأرملة، لابد من الأخذ بعين الاعتبار الثقافات المحلية التي ينتمي إليها المستجوبون، فنجد مثلا المستجوب "عمر الكنتاوي" رغم انتمائه إلى مجموعة مجتمعية لها ثقافة خاصة (ثقافة الصحراء)، والتي يتخللها معيار إيجابي تجاه الأرامل والصورة الخاصة التي تحملها الأنثى الصحراوية، فإنه رغم ذلك نجد له رأيا شخصيا منعزلا ومختلفا عن السائد داخل مجتمع انتمائه، وبالتالي يمكن أن نستخلص أن الموقف من الزواج بالأرامل تتجاذبه النظرة الفردية للأفراد من خلال معايير خاصة بهم قد تنتمي إلى الثقافة الأم "العربية"، وبين الثقافة المحلية السائدة داخل كل جماعة مجتمعية لها إطارها المرجعي الخاص.وبعمق نظرة الباحث في علم الظواهر الاجتماعية ومحاولة منه للوصول إلى تفسير للظاهرة أوضح "زكار": إننا لا ننفي عن المواقف الطابع الاجتماعي، فهي تنشأ حتما من علاقات التفاعل بين الفرد والآخرين، وتكتسب بواسطة عمليات التنشئة الاجتماعية التي تضطلع بها مؤسسات اجتماعية كالأسرة والدين وطرق التفكير والتنظيمات السياسية، مساهمة في تكون سمات ومواقف مشتركة بين أفراد مجتمع معين، لكن تتخللها إرادات فردية تنفصل عن المجتمع الكلي، وهو ما بينته الاستجوابات والمقابلات. وفي الختام يمكن أن نستنتج من خلال بحثنا عن السؤال المحوري المتعلق بمدى قابلية الزواج من الأرملة، أننا أمام نسق اجتماعي يتميز بالتنوع والغنى، وأن هذه الظاهرة متعددة التمظهرات وبالتالي فإن أي تحليل أحادي النظرة يمكن أن ينقص من أهميتها، وأننا أمام خلل خطير وعدم توازن ماض في الإخلال، بين جحافل من الشباب والعزاب تمضي سنوات أعمارهم في حلم الزواج، ويمر العمر ليطوي معه الحلم، وقوافل أخرى من النسوة العوانس أو الأرامل ومنهن المطلقات ينتظرن ولوج عالم الحلم، وإكمال سنة الحياة والاستقرار في دفء حياة زوجية هانئة.