والتي يؤدي بها في كثير من الأحيان إلى العديد من الأعراض الجسدية أو الانكفاء على الحزن والرغبة في الانسحاب من المجتمع، وهو للأسف ما يدفعها إليه المحيطون بها غير مدركين أنهم بهذه التصرفات يضعونها على أعتاب المرض النفسي. ويطالب د."إبراهيم عبد الحافظ" الأستاذ بالمعهد العالي للفنون الشعبية بتغيير النظرة الشعبية للزوج باعتباره شريك العمر بينما هو في الحقيقة شريكا بالحياة فقط، إذ قد يطول عمر الزوج أو يقصر عن زوجته. ويؤكد ضرورة التخلص من القيم السلبية التي تذخر بها المأثورات الشعبية التي تنظر للأرملة على خلاف الحقيقة باعتبارها نحسا ونذير شؤم على زوجها تلام على وفاته، وتدعيم القيم الإيجابية التي تحض على رعايتها وتقديم العون والدعم اللازم لها باعتبارها كائنا ضعيفا زاده الترمل ضعفا على ما به من ضعف. قدر لي الاقتراب الشديد من الكثير من الأرامل من مختلف الأعمار والمستويات، ولمست أوجاعهن وتعاطفت معها واحترمتها كثيرًا، وشاركتهن البحث عن حلول واقعية وعملية لاستكمال الحياة بأقل قدر ممكن من المنغصات، وبأكبر قدر ممكن من البهجة والانتصار على كل معوقات الاستمتاع المشروع بالحياة، وطرد كل ما يخصم من الصحة النفسية والجسدية للأرملة، وزرع أفضل مساحة ممكنة من الرضا داخل قلبها وعقلها وروحها، مما يسهل عليها الإجهاز على كل ما يمكن أن يهددها بسرقة عمرها في معاناة قاسية ومريرة لا تعرفها إلا من مرت بهذه المحنة أو سمح لها بالغوص في أعماق الأرامل. قلة الحيلة عقب وفاة زوجها يحيط الأهل والصديقات بالأرملة للمواساة ولإبداء التعاطف ويسرفون في إبداء الاستعداد للمشاركة في المسئولية، خاصة مع وجود الأبناء، ويبالغون في إظهار الألم لما حدث لها، والتباكي على سوء حظها من قبيل إظهار الحب لها، فتشعر بالرثاء البالغ لنفسها وتنكفئ داخليًّا وتزرع الإحساس بسوء الحظ وتضيف إليه قلة الحيلة، وتركن إلى انتظار المساعدات (الخارجية) لتعويضها عن خسارتها الفادحة. وتحصل الأرملة عادة على كثير أو قليل مما تريده في الأيام والشهور الأولى عقب ترملها، ثم يستشعر من حولها ثقل المسئولية ويتباعدون تدريجيًّا، وللأمانة فإن مبالغة الأرملة في الاعتماد على الآخرين تسارع بانسحابهم؛ لأنهم يبدءون في التعامل معها على أنها عبء إضافي على أعباء حياتهم الحتمية، ولا أحد يحب زيادة أعبائه. والأفضل أن تسارع بالاستقلالية وطرد (فكرة) قلة الحيلة من ذهنها، وزرع حقيقة أن الله لا يكلف نفسًا إلا ما في وسعها، وأنه سبحانه وتعالى عندما يختبر إنسانًا فإنه يُعِدّ له الأسباب التي تؤهله للنجاح، وأننا نتغافل عن رؤيتها وليس الأرامل فقط؛ لأننا نظن أن السعي للنهوض يجهدنا بينما الاستسلام للألم سيمنحنا التعاطف الذي يحرض الآخرين على تحمل المسئولية بدلا منا. كما تربط بعض الأرامل بين النجاح في الحياة وضرورة وجود (رجل) تعتمد عليه في إدارة حياتها، وأتذكر أرملة شابة أخبرتني أنها قررت الزواج؛ لأنها اكتشفت وجود عطل في أحد الأجهزة المنزلية وعجزت عن تدبر هذا الأمر، وقالت لنفسها: هذه أمور يجب أن يتعامل معها الرجال، ولأن أخوتي مشغولون وابني ما زال صغيرًا؛ لذا (يجب) أن أتزوج لكي يتحمل عني الزوج كل الأعباء ويساعدني في تربية وحيدي أيضًا.. وأضافت: وتزوجت فأنا أمتلك شقة مؤثثة تأثيثًا فاخرًا، فضلا عن أنني ميسورة ماديًّا وأهلي لم يمانعوا في الزواج. وكست المرارة وجهها وهي تقول: بعد الزواج صدمت من كل شيء، فقد (توقعت) غير كل ما وجدته. لم يحاول زوجي الجديد (تعويضي) عما عانيته ولم يبذل جهدًا لتربية ولدي، فقط (استمتع) بالمزايا المادية التي قدمتها له، وكنت أقارن دائمًا بينه وبين زوجي الراحل، وأبكي كثيرًا وأشعر بأن سوء الحظ يطاردني واشتعلت الخلافات بيننا، وأخيرًا حملت لقب مطلقة. وقد دفعت هذه الأرملة الثمن الغالي لتعجلها في الزواج ولوضعها توقعات غير واقعية في الزواج الثاني، وتناست أن الزوج الثاني ليس مسئولا عما حدث لها، وبالتالي هو ليس مطالبًا بالتعويض، وكان عليها الاحتفال والفرح بالزواج والسعي لإنجاحه وعدم إثقال كاهل زوجها بمسئوليات إضافية، مثل أن يقوم بتربية ابنها، والأفضل في هذه الحالة أن تحرص على أن يحترم ابنها زوج أمه، وأن يتلقى الأوامر منها، فهذا أسهل نفسيًّا على الابن وأكثر راحة للزوج أيضًا. مشكلة مع الأبناء وأتذكر أرملة صارحتني بعد طول تردد أنها تشعر بالذنب؛ لأنها (تكره) أولادها لأنها ترى أنهم عقبة أمام زواجها الثاني، فمن سيتزوج أرملة ولديها 4 أولاد، وأضافت: والمثير للغيظ أنهم لا يحاولون تخفيف ترملي عني بأن يقللوا عن مشاكلهم (ويرحمونني) من المسئولية بأن يتحمل كل واحد منهم مسئولية نفسه، ويكفيني الإشراف عليهم، وبالطبع فكرت في إرسالهم لأهل والدهم ليقوموا بتربيتهم، ولكنني خفت من كلام الناس، كما خشيت من أن أعيش وحيدة إذا لم يتقدم أحد للزواج مني؛ ولذا عشت حياة لم أحبها ولم أقم باختيارها وانفض عني الجميع وابتعدت عني صديقاتي خوفًا على أزواجهن؛ لأنهن يعلمن (شدة) حاجتي إلى الزواج وهي حقيقة لم أحاول إخفاءها. وشعرت بألم بالغ من معاناة هذه الأرملة فقد (حرمت) نفسها من الاستمتاع بما (تبقى) لديها في الحياة وأقصد به أبناءها، وكان يمكنها الاستمتاع بصداقتهم وأن تقوم بدوري الأب والأم معًا، وتتشاغل بإرادتها عن احتياجاتها العاطفية والحسية بأن تقول لنفسها: لقد حصلت عليها لبعض الوقت وأنا أفضل من البنات اللاتي لم يتزوجن وأيضًا من النساء اللواتي لم ينجبن وطلقن لهذا السبب، ودفعن فاتورة الطلاق الباهظة. كما ظلمت نفسها عندما توقعت أن يعوضها الأبناء عن غياب الأب، بينما كان عليها هي أن تعوضهم وتعوض نفسها في الوقت ذاته عن غياب الزوج والأب. وقد تفرغ الأرملة شحنات حزنها في أولادها، وتبحث دائمًا عن التعاطف من الناس وكأنها تريد منهم أن يعوضوها عن موت زوجها، أو تستسلم للاعتمادية حتى تفقد القدرة على أداء أي شيء في حياتها أو حياة أولادها وتخسر تقديرها لنفسها. ولا أنسى أرملة في الخمسين قالت لي بأسى واضح: لا أستطيع فعل شيء لنفسي ولا لابنتي، حتى التفكير في قضاء الأجازات أو شراء المجوهرات، كل شيء تفعله أسرتي وأنا مجرد لا شيء!! وتتأرجح معاملة الأرامل للأبناء بين القسوة الشديدة خوفًا من انحرافهم لغياب الأب، أو التدليل الزائد لتعويض هذا الغياب، وبالطبع فإن خير الأمور الوسط فلا بد من الحنان مع الحزم. وتنتظر بعض الأرامل كلمات الثناء والدعم والتشجيع من أولادهن ومن المحيطين بهن؛ لأنهن لم يتزوجن وتفرغن لتربية الأبناء، وغالبًا ما لا يحصلن على القدر الذي ينتظرونه مما يزيد من إحساسهن بسوء الحظ، والأفضل أن تسعد الأرملة باختياراتها وأن تصنع سعادتها برسالتها كأم. رفض الأهل للزواج وتتعرض بعض الأرامل لرفض الأهل للزواج الثاني، وغالبًا ما تستسلم الأرملة وتظل تبكي طوال حياتها على فوات الفرصة في الزواج الجديد، وتقوم بشحن نفسها ضد أهلها وتغذي بداخلها الإحساس بالاحتياج إلى رجل في حياتها، وتربط بين كل ألم تعاني منه وفقدانها للزوج، وتنمي بداخلها الإحساس بالسخط على الأهل وعلى الحياة، ويقل اهتمامها بدورها كأم، وتستسلم للكآبة وأحيانًا للبدانة والإهمال للمظهر ولسان حالها يقول: لمن أتجمل. وتفقد الصديقات الواحدة تلو الأخرى؛ لأنها تشعر بأنهن يعشن حياتهن بصورة تفتقدها، فكما قالت لي أرملة (كل زوجة تنعم بالهناء مع زوجها وأنا وحدي التي أتنفس الحرمان...). وقد تناست هذه الأرملة أن معظم الزوجات إن لم يكن جميعهن لديهن مشاكل تقل أو تكثر مع الأزواج، وأن الزواج ليس حلمًا ورديًّا، وأن الذكاء يدفعنا إلى (تقبل) الأمر الواقع أولا، ثم محاولة (تجميله) وتحسينه قدر الاستطاعة. وأرى أن الأرملة التي ترغب في الزواج ويتقدم لها خاطب مناسب دون تقديم تنازلات جوهرية حتى لا تدفع الثمن بعد ذلك، ويرفض أهلها زواجها فإن أمامها خيارين: إما الاستسلام لرفض الأهل ومحاولة إيجاد أفضل حياة ممكنة بدون زواج، أو الإصرار على موقفها وتوسيط العقلاء في