أموات على قيد الحياة وفقراء قطع غيار
الدكتور عادل عامر
مسألة لم تحسم وجدل لم ينقطع حول عمليات نقل وزراعة الأعضاء ازداد اشتعالها خلال الدورة الثالثة عشر لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، حيث أثير خلالها قضيتان خلافيتان، الأولى تدور حول نقل أعضاء من موتى جذع المخ للأحياء وإشكالية تعريف الموت. أما القضية الثانية فكانت فتوى لشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بجواز نقل أعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام في قضايا القتل العمد وهتك العرض بعد تنفيذ الحكم فيهم، دون موافقتهم. وقد استغرق الخلاف حول هذه القضية مدى زمنيا كبيرا في مصر، رغم حسمه في الكثير من الدول الإسلامية ومنها السعودية التي أجازت نقل الأعضاء والتبرع بها، كما أكد الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر والذي يتزعم فريق إجازة نقل وزراعة الأعضاء. ورغم هذا الموقف المؤيد من علماء مجمع البحوث الإسلامية، إلا أن القضية تثير العديد من التساؤلات منها العودة إلى نقطة البداية وهي مدى شرعية هذه العمليات، وكيف ستتم، وإذا صدر قانون الإباحة بها هل تصبح تجارة رائجة فيها الغني والفقير طرفان يحكم التعامل بينهما المال، هذه الأسئلة وغيرها بداية يكشف الناشط الحقوقي نجاد البرعي ـ رئيس مجلس إدارة مؤسسة تنمية الديمقراطية المصرية ـ أن الجزء الخاص بنقل الأعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام المثير للخلاف والجدل تم حسمه من جانب مجمع البحوث الإسلامية، حيث تم رفضه وانتهى الأمر، كما أكد له رئيس المجمع نفسه، أما بخصوص موضوع نقل أعضاء موتى جذع المخ للمرضي فهو الموضوع محل النقاش ويشهد اختلافا كبيرا بين علماء الطب هل هم موتى أم أحياء، ففي حالة موتهم فلا مانع من نقل أعضائهم وإذا كانوا أحياء فلا يجوز ذلك، وهي مسألة مطروحة للمناقشة ولم يتم الانتهاء منها بعد. وكسيناريو متوقع عما قد يحدث إذا تم إقرار قانون نقل الأعضاء من الأحياء بينهم وبين بعض، يتصور نجاد أن الفقراء حتما سيصبحون قطع غيار للأغنياء، مهما كانت الضوابط القانونية لمنع البيع سوف تحدث تعديات من جانب البعض وتصبح هناك تجارة له طرفان الغني مشتري والفقير بائع، موضحا أن الفقراء دائما يعانوا فمثلا هم ضحايا للتقدم العلمي الذي وُجد دون أن يستفيدوا به أو يجنوا ثماره كما الأغنياء. ويجد مشروع قانون نقل وزراعة الأعضاء الكثير من المعارضين، منهم د. يحيى هاشم عميد كلية أصول الدين بالأزهر سابقا، حيث أكد لشبكة الإعلام العربية "محيط" أنه يرفض الموافقة على هذا القانون رفضا تاما، مشيرا إلى أخطر ما جاء في مشروعه وهو قضية نقل أعضاء موتى جذع المخ والذي قيل عنه أنه موتا نهائيا، ولكنه كلام غير صحيح ولا يتفق مع الأمور المقررة شرعا منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى الآن. ويضيف أنه موضوع غير متفق عليه من قبل الأطباء فبعضهم يقول بأنه موتا نهائيا والبعض الآخر يؤكد أن موت جذع المخ لا يعنى الوفاة، والحقيقة تقول أن هذا المريض لم يمت بعد فيمكن أن يقال عنه بأنه سوف يموت بعد ساعة أو بعد دقيقة ولكنه لم يتوفى بعد، إذا فمن يقول بموته مغالط وما يحدث من نقل لأعضائه هي عملية قتل لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال لأنه ما زال على قيد الحياة. وتطرق د. يحيى إلى فتوى نقل أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام في قضايا القتل العمد وهتك العرض بعد تنفيذ الحكم فيهم، دون موافقتهم ووصفها بأنها "كلام فارغ"، مبينا أنه لا يجوز عقاب المحكوم عليه عقوبتين، وإذا جاز هذا فعلى من يُصر على ذلك وضع هذا النص ضمن نصوص قانون العقوبات، لأن العقوبة على أي شخص لا يمكن أن تخرج في توصيات لمؤتمر ولكن من خلال قانون معترف به داخل الدولة. ويكمل أن ما يحدث للمحكوم عليه بالإعدام عند نقل أعضائه غير قانوني، وهناك سؤال يطرح نفسه بقوة في هذا الشأن، هل سوف تتم عملية النقل قبل الإعدام أم بعده ؟ بالطبع وحسب المنطق سوف تتم قبل الإعدام، لأن المحكوم عليه بعد وفاته لن تصلح أعضائه للنقل سوى القرنية فقط وبالتالي يتعرض الشخص للتعذيب قبل إعدامه وهذا غير مقبول على كافة المستويات. بينما حسم د. أحمد السايح أستاذ الفلسفة والعقيدة بالأزهرالقضية بقوله ينبغي أن يعلم الجميع أن نقل الأعضاء من الأحياء والأموات بإذنهم أو بغير إذنهم لا يجوز شرعا؛ لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه ولكن ملكا لله سبحانه وتعالى ولا يجوز للشخص أن يتبرع بأعضائه أو أن تأخذ منه اعضاءه منه بعد موته. وما تم الموافقة عليه من مشروع قانون يبيح ذلك ما هو إلا تحايل على شرع الله سبحانه وتعالى وتصرف غير محمود وأن يتصرف الإنسان في نفسه تصرف يسيء إلى عقيدته وقيمه تصرف غير مقبول، وإن جاز نقل الأعضاء لجاز الانتحار وهو محرم شرعا لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه. على مدار نحو خمسة عشر عاما تقريبا أثير جدل واسع النطاق في مصر حول نقل وزراعة الأعضاء البشرية، وسط موجة من التحذيرات المتكررة مما يطلق عليها "مافيا تجارة الاعضاء"، ومطالبات حثيثة للتوصل الى تشريع واضح يسيطر على الفوضى في هذا المجال. الخلافات الواسعة بشأن مشروع القانون الخاص بتنظيم نقل وزراعة الاعضاء يشهد عليها البرلمان المصري منذ أواخر القرن المنصرم، لا سيما فيما يتعلق بنقل الأعضاء من الميت الى الحي وما يتبعه من جدل أوسع حول تحديد حالة الوفاة. ففي الوقت الذى يعتبر فيه فريق أن موت جذع المخ يعتبر موتا بينا يمكن بعده استخدام أعضاء صاحبها، يعتبر فريق آخر موت جذع المخ "تقنين" مستحدث لتجارة الاعضاء. واستقرت هذه السجالات الآن عند محطة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب التي تناقش مواد المشروع من الناحية الدستورية والقانونية، تمهيدا لعرضها على مجلس الشعب فى جلسة عامة لتمريرها أو رفضها. قطع غيار بشرية النائب محمد كمال عويطة، عضو الحزب الوطني الحاكم فى مصر، كان من أوائل من تقدموا بمشروع قانون في البرلمان خاص بتنظيم نقل وزراعة الاعضاء عام 1996، ومن أبرز المتحفظين على اعتبار موت جذع المخ موتا بينا ، قال في تصريح لبي بي سي إنه يعتبر ان مصطلح موت جذع المخ ليس سوى مسمى" مغلوط " و "مزعوم" اخترعه أطباء نقل وزراعة الأعضاء على حد تعبيره. والغرض من ذلك، كما يرى عويطة، الوصول الى أعضاء جسم الانسان الحيوية وهى حية ونقلها لآخر، مؤكدا انه لا يجد مبررا وراء قتل انسان وهو ما زال حيا لانقاذ آخر، واعتبر ان الامر يتضمن خطورة جسيمة غرضها هو تحويل الشعب المصري الفقير الى قطع غيار بشرية لأثرياء المنطقة