اللقطاء بين شريعة الإسلام والقوانين الوضعية
الدكتور عادل عامر
اللقطاء مشكلة مستعصية، عجز العالم كله على اختلاف عقائده ومذاهبه أن يجد لها حلاً؛ فبانتشار الزنا والانحلال الأخلاقي.. جاء اللقطاء. والإحصائيات تقول: إنه يوجد في العالم 15 مليون لقيط لا يعرفون لهم أبًا ولا أمًا، وفي البرازيل وحدها 5 ملايين لقيط، هذه كارثة بكل تأكيد, لكن الكارثة الأكبر هي كيف يتعامل معهم المجتمع والشرطة. إنهم يطلقون عليهم النار فيقتلونهم كما تقتل الكلاب الضالة؛ حيث إنهم ينامون في الشوارع وعلى الأرصفة.. ويعملون بالدعارة حتى يجدوا ما يأكلونه. واقشعرت أبداننا ونحن نتابع ما تنقله وكالات الأنباء والصحف أثناء انعقاد مؤتمر "قمة الأرض" في ريودي جانيرو، حيث لم تجد السلطات هناك وسيلة لتنظيف المكان الذي سيعقد فيه المؤتمر جلساته، من اللقطاء، إلا أن تقتل في يوم واحد خمسة عشر ألفًا منهم ثم تنقلهم المقطورات وتلقيهم بجوار القمامة. هذه هي المشكلة بكل بشاعتها وبلا رتوش، المشكلة التي أودتها أوضاع المجتمع الغربي نتيجة لعدم اهتمامه بالفاحشة وغلق أبوابها؛ ثم كانت النهاية غير الإنسانية.
اللقطاء في القوانين الدولية
وقد حرصت القوانين الدولية على إضفاء الحماية القانونية لجميع الأطفال منذ الولادة وحتى بلوغ سن الرشد, ويكفي أن نذكر أن المادة (7) الفقرة (1) من اتفاقية حقوق الطفل قد أشارت إلى أنه: (يسجل الطفل بعد ولادته فوراً, ويكون له الحق منذ ولادته في اسم, والحق في اكتساب جنسية, ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقي رعايتهما). أما المادة (20) من نفس الاتفاقية فنصت على: (أن للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمة من بيئة العائلة أو الذي لا يسمح له حافظاً على مصالحه الفضلى، بالبقاء في تلك البيئة، الحق في الحماية والمساعدة الخاصتين، توفرهما له الدولة، وتضمن الدول الأطراف وفقاً لقوانينها الوطنية رعاية بديلة لمثل هذا الطفل). هذه الرعاية يمكن أن تشمل في جملة أمور الحضانة أو الكفالة الواردة في القانون الإسلامي أو التبني أو عند الضرورة الإقامة في مؤسسات مناسبة لرعاية الأطفال, وعند النظر في الحلول ينبغي إيلاء الاعتبار الواجب لاستصواب الاستمرارية في تربية الطفل.
القوانين العربية ومجهولو النسب
ومن جانبها، فإن القوانين العربية أولت اهتمامًا بالغًا لقضية مجهولي النسب، إلا أنه لا يزال يكتنف الغموض بعض المسائل المهمة مثل تسمية الطفل المجهول، مع إجماعها على تحريم التبني فيما عدا القانون العراقي، الذي أباح قانون رعاية الأحداث، التبني والتوارث بين مجهول النسب ومن تبناه، بحيث لا يزيد ما يرثه ما تبناه عن الثلث وبما لا يقل عن نصيب أصغر وارث. كما أن جميع القوانين العربية منحت مجهول النسب الجنسية بمجرد ثبوت ميلاده على إقليمها، كما أقرت بأن لكل مولود أن يتمتع باسم يميزه عن غيره من البشر ولكنها لم تفصل على أي أساس يتم منح الاسم. وجعلت معظم التشريعات العربية انتساب الابن غير الشرعي (الناتج عن علاقة محرمة) انتسابه إلى أمه، مستندة إلى أحكام الشريعة الإسلامية. كما أقرت غالبية القوانين العربية على أن الإقرار بنسب شخص مجهول النسب إليه لا يحتاج إلى دليل؛ فالإقرار كافٍ ما لم يوجد من ينازعه. ظاهرة مجهولي النسب في تنامٍ مستمر في الدول العربية، ففي مصر 14 ألف قضية إثبات نسب أمام المحاكم, ويقول د. جمال زهران أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة قناة السويس وعضو مجلس الشعب المصري: إن هناك من 13 ألفًا إلى 15 ألف قضية نسب. وفي السودان عام 2005 دخل دار الرعاية الاجتماعية 651 طفلاً مجهول النسب. وفي السعودية فإن هناك، وطبقًا لإحصائيات رسمية 8500 طفل من مجهولي النسب يعيشون في دور الرعاية الاجتماعية.
اللقطاء في حماية الشريعة
لكن ترى ماذا لو حدث الخطأ في المجتمع الإسلامي ـ وهو قليل ونادر بفضل الله ـ ونتج عن هذا الخطأ لقطاء، ما هي أحكامهم الفقهية وكيف يتعامل المجتمع معهم؟ وما هي حقوقهم وواجباتهم؟ اللقيط في اصطلاح الفقهاء اسم مولود طرحه أهله خوفًا من الفقر أو فرارًا من تهمة الزنا"، فاللقيط إذن طفل حديث الولادة أو صغير غير مميز، أما الصبي المميز والمخبون وإن كان بالغًا فقد صرح الشافعية بجواز التقاطهما لحاجتهما إلى الحفظ والرعاية، وعلى هذا فلا يدخل البالغ العاقل في مفهوم اللقيط لعدم حاجته إلى الحفظ والرعاية.
حكم التقاطه
اللقيط نفس محترمة في الشرع الإسلامي تستحق الحفظ والرعاية؛ لهذا كان التقاطه مطلوبًا؛ لأن فيه إنقاذًا لنفس محترمة من الهلاك والضياع, فيكون فيه معنى الإحياء؛ والله يقول: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}, واتفق الفقهاء على أن التقاطه يكون فرضًا إن علم أنه يهلك إن لم يأخذه، أما إن لم يخف عليه الهلاك يكون مستحبًا عند الحنفية وفرضًا كفائيًا, إذا قام به واحد سقط عن الباقين عند الشافعية والحنابلة. وأدلة الفقهاء في ذلك كثيرة ومستندة على حرمة النفس الإنسانية وتكريمها {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70], والله لا يحاسب الإنسان على ذنب لم يقترفه {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39], وأدخل الله رجلاً الجنة لأنه سقى كلبًا أصابه العطش، فكيف بالنفس الإنسانية المعرضة للهلاك؟
الإشهاد على الالتقاط
يجب الإشهاد على اللقيط, وإن كان اللاقط ظاهر العدالة؛ خوفًا من أن يتركه ولحفظ حريته ونسبه، ويجب الإشهاد أيضًا على ما معه لئلا يمتلكه، وكذلك خوفًا من أن يكون اللقيط قد خطف من أهله. واشترط الفقهاء في الملتقط عدة شروط ليبقى اللقيط في يده، فالبلوغ والعقل شرط في الملتقط، كما يجوز للرجل والمرأة الالتقاط، وأن يكون الملتقط مسلمًا إذا كان اللقيط محكومًا بإسلامه، فإذا كان الملتقط كافرًا نزع منه حيث لا ولاية لكافر على مسلم. أما إذا كان الطفل محكومًا بكفره فللكافر والمسلم التقاطه والكافر أولى به من المسلم، كما يجب أن يكون الملتقط عدلاً, فإن كان فاسقًا انتزعه الحاكم من يده، ويجب أن يكون الملتقط رشيدًا, فلو كان مبذرًا لماله أو سفيهًا لم يصح التقاطه وينزع اللقيط منه. واشترط الشافعية والحنابلة الأمانة في الملتقط، كما اشترط الحنفية غنى الملتقط فلا يقر اللقيط بيد الفقير، واشترط الشافعية في الملتقط الخلو من الأمراض المنفرة عادة كالبرص والجذام.
أما ما اشترطه الفقهاء في اللقيط فهو أن يكون طفلاً صغيرًا لا قدرة له على القيام بمصالح نفسه ذكرًا كان أو أنثى... واختلفوا في حد الصغر, فمنهم من قال: مولودًا حديثًا, ومنهم من قال: من هو دون سن التمييز, أي ما قبل البلوغ، كما اشترطوا فيه أن يكون منبوذًا أو ضل عن أهله، والمنبوذ هو الملقى على قارعة الطريق أو على باب المسجد، وبعد ذلك ألا يُعلم له كافل ولا يوجد في حرز.