الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: تاريخ القوانين الوضعية العربية المعاصرة وإقصاء الشريعة الأحد مارس 01, 2009 9:57 pm | |
| تاريخ القوانين الوضعية العربية المعاصرة وإقصاء الشريعة مقدمة تقوم عقيدة التوحيد في الإسلام على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والعبودية، واستقر في ذهن المسلمين أن توحيد الربوبية يتحقق بالإقرار بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، وهذه المسألة لم يكن يعارض فيها حتى الكفرة الذين نزلت فيهم الرسالة بدليل قول الله فيهم { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله}، أما توحيد الألوهية فلا يتحقق إلا بالتسليم بأن الله هو المسيطر والمهيمن، واستقر في عقيدة المسلمين بأن التشريع من مقتضيات الإقرار بالألوهية بدلالة قول الله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقوله تعالى:{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقوله تعالى {إن الحكم إلا لله، أمر ألاّ تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون} { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما } {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما ءاتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون، وان احكم بينهم بما أنزل إليك فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون، أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } ولقد عاش المسلمون منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يحتكمون إلى شرع الله المتمثل في الكتاب والسنة، والأحكام التي تستمد منهما باستعمال أصول الفقه بالضوابط التي وضعها الفقهاء المسلمون، فما من حكم إلا ويجد أساسه في الكليات التي اقرها ا لله سبحانه وتعالى. وكان المسلمون إذا عرض لهم قضاء حكموا بكتاب الله، فإن لم يجدوا فبسنة رسول الله، فإن لم يجدوا بحثوا في قضاء من سبقهم، ثم ظهرت المذاهب الفقهية، فقعّد الفقهاء القواعد وحددوا الأصول، واجتهدوا في استخراج الأحكام من مضانها. فكانت الشريعة الإسلامية مهيمنة على الناس في معاشهم ومعاذهم. ثم تكالبت الأمم على الإسلام والمسلمين ومزقت دولتهم، وعملت على إقصاء شريعتهم . وزينت لهم السير في ركاب الغرب، ووضع القوانين الوضعية بدلا من الشريعة الإسلامية، فصارت الدول الإسلامية اليوم تضع لنفسها تشريعات كثيرة تجد أصولها في القوانين الغربية. ولكن هذه النهاية لم تكن وليدة يوم وليلة وإنما كانت نتيجة جهود سنوات طويلة فكيف كانت بداية هذه المرحلة ؟السياسة والشرعبدأت رحلة تاريخ إقصاء الشريعة في الديار الإسلامية باستحداث ما يعرف بالحكم بالسياسة، فقد كان بعض أمراء الدولة يخرج على أحكام الشريعة بدعوى أنه يسعى لمصلحة الأمة، ويسمي هذا الخروج سياسة، باعتبار أن السياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه . أو باعتبار أن فعله يكون معه الناس اقرب للصلاح وابعد عن الفساد . ولا يعني هذا أن العمل بالسياسة أمرا مذموما على إطلاقه، فهو أمر جليل إذا كان محكوما بقواعد الشريعة، وهذا ما يطلق عليه السياسة الشرعية، وهي المقصود بالتدبير الذي يكون معه الناس اقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وذلك يتم إما بتطبيق أحكام الشارع كما وردت، أو بالاجتهاد طبقا للأصول والقواعد العامة باعتبارها ميزانا وقسطاسا يزن به المجتهد كل ما يعرض عليه من صور وجزئيات. ولا تخف فوائد العمل بالسياسة الشرعية ففيها مسايرة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والقدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة، وتحقيق مصالح الأمة في كل حال وزمان على وجه يتفق مع المبادئ العامة في الإسلام غير أن السياسة باب واسع تفرق فيه الناس على طوائف عديدة، ولقد نقل عن أبن فرحون قوله: والسياسة نوعان، سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم وتدفع كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية، فالشريعة توجب المصير إليها، والاعتداد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع تضل فيه الإفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق، ويعطل الحدود، ويجزئ أهل الفساد،ويعين أهل العناد، والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم الشنيعة، ويوجب سفك الدماء، وأخذ الأموال بغير الحق، ولهذا سلكت فيه طائفة مسلك التفريط المذموم فقطعوا النظر عن هذا الباب إلا ما قل ظنا منهم أن تعاطي ذلك مناف للقواعد الشرعية فسدوا من طرق الحق سبيلا واضحة، وعدلوا إلى طريق من العناد فاضحة لأن في إنكار السياسة الشرعية ردا للنصوص الشرعية للخلفاء الراشدين، وطائفة سلكت في هذا مسلك الإفراط فتعدوا حدود الله تعالى وخرجوا عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع السياسية، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الخلق ومصلحة الأمة وهو جهل وغلط فاحش قال تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم} ،وقال عليه الصلاة والسلام " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تظلوا كتاب الله وسنتي " وطائفة توسطت وسلكت فيه مسلك الحق، وجمعوا بين السياسة والشرع فزهق الباطل ودحضوه، وانصفوا الشارع ونصروه والله يهدي من يشأ إلى صراط مستقيم " وقد أشار ابن تيمية إلى الطائفة التي اشتطت في استعمال السياسة خروجا على أحكام الشرع بقوله: " وعامة الأمراء إنما أحدثوا أنواعا من السياسات الجائرة من أخذ أموال لا يجوز أخذها وعقوبات على الجرائم لا تجوز" وبين السبب في ذلك بقوله: " لأنهم فرطوا في المشروع من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإلا فلو قبضوا ما يسوغ قبضه، ووضعه حيث يسوغ وضعه طالبين بذلك إقامة دين الله لا رياسة أنفسهم، وأقاموا الحدود المشروعة على الشريف والوضيع، والقريب والبعيد، متحرين في ترغيبهم وترهيبهم للعدل الذي شرعه الله لما احتاجوا إلى المكوس الموضوعة، ولا إلى العقوبات الجائرة، ولا إلى من يحفظهم من العبيد والمستعبدين " وذكر في موضع آخر قوله:" فلما صارت الخلافة في ولد العباس، واحتاجوا إلى سياسة الناس، وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق، ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة العادلة، احتاجوا حينئذ إلى ولاية المظالم، وجعلوا ولاية حرب غير ولاية شرع، وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين، حتى صار يقال الشرع والسياسة، وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة، سوغ حاكما أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة. ولقد ذكر ابن تيمية: أن الذين انتسبوا إلى الشريعة قصروا في معرفة السنة فصارت أمورا كثيرة .. إذا حكموا ضيعوا الحقوق وعطلوا الحدود حتى تسفك الدماء وتؤخذ الأموال وتستباح الحرمات، والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة، وخيرهم الذي يحكم بلا هوى وتحر للعدل، وكثير ممن يحكمون بالهوى يحابون القوي ومن يرشوهم ونحو ذلك " ولقد أصبحت السياسة ستارا به تنحى الشريعة جانبا ويحكم بالهوى، ولقد بلغ الأمر في عهد المماليك أن الحاجب ـ كما يقول المقريزي في الخطط ـ يحكم في كل حقير وجليل للناس، وكان يحكم في مسائل الديون والتجارة بوجه خاص لا وفقا للشرع وإنما وفقا للسياسة . غير أن العمل بالسياسة لا يعتبر خروجا بالأمة عن أحكام الشريعة حقيقة، فالعامل بالسياسة إما أن يتحرى الشرع ويكون عمله موافقا له، وإما أن يجانب الشرع وهو يدعي العمل به من أجل تحقيق بعض المصالح. ومع ذلك لا يطالب بإقصاء الشريعة، بل يعظمها وينافح عنها . ولكن أولى المحاولات لإخراج الأمة عن شرعها كانت فيما عرف بالياسا أو الياسق . الياسا أو الياسق الياسق تشريع وضعه جنكيز خان ، وهو كما جاء في تفسير ابن كثير عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى: من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويصف المقريزي في خططه هذا القانون من حيث الشكل بقوله: " وقد كتبه في مجلدين كبيرين بخط غليظ، وكان يحمل عندهم على بعير، ولما اكتمل وضعه نقشه في صفائح من الفولاذ وجعله شريعة لقومه، فلما مات التزم أولاده من بعده واتباعهم حكم الياسا كالتزام أول المسلمين حكم القرآن، وجعلوا ذلك دينا لم يعرف عن أحد منهم مخالفته" .وبعد أن هاجم المغول الدولة الإسلامية واستولوا على بعض أجزائها ، أرادوا حمل المسلمين على الاحتكام إلى الياسا، ولكنهم سرعان ما اعتنقوا الإسلام واحتكموا إلى شرع الله وباءت تلك المحاولة لصرف المسلمين عن شرعهم بالفشل . | |
|