تضييع الشريعة سبب انتشار الجرائم في مصر
الدكتور عادل عامر
في إحصائية هامة تدل على مدى الانحدار الذي وصل إليه تحقيق العدل والأمان للناس بالقانون الوضعي، صدر تقرير إحصائي من وزارة العدل المصرية تبين فيه بوضوح الحجم الهائل للجرائم في مصر، بل وازديادها عام بعد عام، فقد بلغت الجرائم التي تداولتها المحاكم المصرية مليونًا و896 ألفًا و594 قضية تم تداولها خلال العام 2004، بزيادة قدرها مليون و326 ألف قضية عن تلك التي نظرتها قبل أقل من عشر سنوات مضت (ملحوظة هذا الإحصاء يشمل الجرائم التي تم تداولها رسميًّا، بخلاف التي لم يبلغ عنها أو تم التراض فيها أو تم إخفاؤها بطريقة ما). الأرقام التي وثَّقها آخر تقرير للإحصاء القضائي بوزارة العدل، تكشف بوضوح عن التزايد المرعب في معدلات الجريمة في مصر، التي طالما وصفت بأنها أرض طيبة وأهلها مسالمون! أسباب عديدة يرصدها خبراء القانون وعلماء النفس والاجتماع في محاولاتهم تفسير ذلك الارتفاع المطرد في معدلات الجريمة، منها الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتزايد وطأتها يومًا بعد يوم دافعة «أناسًا عاديين»، لطريق الجريمة التي قد يرتكبها أحدهم - حتى- ضد نفسه! رصد تقرير الإحصاء القضائي الأحدث - والخاص بعام 2004م، 15 مليونًا و900 ألف قضية تقريبًا، وبمقارنته بتقرير 1996م سنجد أن نسبة الفصل في القضايا تراجعت إلى 80.87% في الأول، بينما كانت عام 96 تبلغ 83.4%، وبينما كانت القضايا المدنية عام 96 مليونًا و793 ألفًا، والجنائية 11 مليونًا و587 ألفًا و581 قضية، والأحوال الشخصية مليونًا و189 ألفًا و501 قضية، بلغ عدد القضايا المدنية عام 2004م مليونًا و842 ألفًا و876 قضية، وارتفع عدد القضايا الجنائية إلى 12 مليونًا و543 ألفًا و113 قضية، والأحوال الشخصية مليونًا و510 آلاف و605 قضايا! وأشار التقرير إلى أن جرائم القتل العمد زادت بنسبة 11.12%، وزادت جرائم الشروع في القتل بنسبة 54.7%، أما جرائم الضرب المفضي لموت فزادت بنسبة 87.3%، بينما زادت جرائم الضرب بنسبة 13.8%، ووصلت الزيادة في جرائم السرقات 23.8%، و64% فيما يخص جرائم الشروع في السرقة، وزادت نسبة قضايا الرشوة بمعدل بلغ 59.6%. وزاد معدل جرائم تزييف النقود بنسبة 116.45%، وبلغت الزيادة في نسبة جرائم الاختلاس خلال هذه السنوات 19.4%، وزادت قضايا العنف وهتك العرض بنسبة 33.22%، فيما بلغت نسبة الزيادة في جرائم الاغتصاب 74.66%. التزايد المذهل في معدلات الجرائم طال أيضًا قضايا الأحداث؛ حيث زادت جرائم القتل العمد بين الأحداث بنسبة 31.5%، بينما زادت قضايا الضرب المفضي لموت بنسبة 83.33%، أما جرائم السرقات فزادت نسبتها بمعدل 6.25%، وارتفعت نسبة قضايا السلاح بمعدل 65.85%، وارتفع معدل جرائم الشروع في السرقة بنسبة 46.66%، وبلغ عدد قضايا «الجواهر المخدرة»، وهو المصطلح الذي يطلق على الأطفال العاملين في مجال تجارة المخدرات، بنسبة 66%. ومن الجنايات إلى الجنح، مازالت معدلات الزيادة تدق نواقيس الخطر، حيث ارتفع معدل قضايا التزوير بنسبة 90%، وبلغ معدل الزيادة في قضايا الضرب 14.34%، وزادت جرائم النصب وخيانة الأمانة بمعدل 99.9%، وتوقفت نسبة الزيادة في جرائم الإصابة الخطأ عند 4.8%. ووصل معدل الزيادة في قضايا الشروع في السرقة إلى 12.9%، وزادت قضايا السكة الحديد بنسبة 61.95%، وقضايا التنظيم والإدارة - البلدية - بنسبة 3.47%.قضايا التشرد تراجعت بمقدار 15.54%، في حين زادت نسبة قضايا جنح الصيدليات بمعدل 20.83%. وإلي جنح الأحداث ننتقل مع التقرير، لنضع أيدينا على ارتفاع جرائم الهروب من المراقبة بنسبة 82.24%، بينما زادت قضايا المحال العامة والصناعية بنسبة 275%، ووصل معدل الزيادة في جرائم القتل الخطأ إلى 11.5%، بينما تراجعت قضايا الضرب بنسبة 43.56%، في مقابل زيادة مرعبة في جرائم النصب وخيانة الأمانة بلغ معدلها 648%. ووصل معدل الزيادة في قضايا السرقات والشروع فيها إلى 29.98%، ووصلت الزيادة في قضايا السكة الحديد إلى 127.8%، ترتفع إلى 266% فيما يخص قضايا التنظيم، وزادت قضايا التشرد بمعدل 78.79%. المخالفات لم تسلم من ذلك الارتفاع المرعب في زيادة نسبتها؛ حيث ارتفعت نسبة المخالفات المرورية لتصل إلى ما يفوق الثلاثة ملايين ونصف المليون مخالفة! ورصد التقرير أيضًا أعداد وسمات المحكوم عليهم الشخصية والأسرية، ليكشف عن ارتفاع نسبة الرجال «العزاب» المحكوم عليهم بمعدل 242%، بينما ارتفعت نسبة الآنسات المحكوم عليهن بمعدل 218%. ملف الأحوال الشخصية يكشف عن ارتفاع قضاياها بالنسبة للمسلمين بمعدل 30.5%، بينما بلغت نسبة الزيادة بالنسبة لغير المسلمين 103%، فيما تناقصت قضايا الحبس للنفقات بمعدل 2.6%. وبالانتقال إلى جزء شديد الأهمية من التقرير، وهو الخاص بجرائم الكسب غير المشروع، نجد أن لجان فحص إقرارات الذمة المالية كشفت عن 461480 جريمة كسب غير مشروع، بمعدل زيادة يبلغ 143.7% عن الجرائم المماثلة عام 1996. الأرقام السابقة والتي تكشف واقعًا مرعبًا رأت فيها الدكتورة عزة كريم الخبيرة الاجتماعية مؤشرًا عامًّا، يعكس حجم الاضطرابات التي يعاني منها المجتمع سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وهو الأمر الذي أدى إلى تمزق أنظمته الداخلية، وفي مقدمتها الأنظمة الاقتصادية، التي أصبح الكل يعاني منها، خاصة بعد أن أطاحت تلك الأنظمة والسياسات بطبقته المتوسطة، وساهمت في تزايد معدلات البطالة والفقر، بالإضافة لعدم استقرار النظام السياسي، وانتشار الفساد، وعدم قدرة الفرد على المشاركة فيما يدور حوله من أحداث، وهو الأمر الذي يجعل الفرد يفقد الشعور بالانتماء للمجتمع الذي يعيش فيه، ويُصاب بالإحباط والتوتر اللذين يحولانه إلى إنسان انفعالي في جميع تصرفاته وسلوكياته، وغالبًا ما يتحول هذا الانفعال إلى انفعال هائج، يفقد فيه الإنسان السيطرة على نفسه، ليتحول إلى إنسان عنيف قادر على ارتكاب مختلف الجرائم بهدف التخفيف من حدة الضغوط الواقعة عليه. وذكرت الدكتورة عزة أن استمرار الارتفاع الجنوني للأسعار وتزايد احتياجات الأفراد وعدم التوازن بين الطبقات خلق نوعًا خطيرًا من الجرائم هو الجرائم المهنية، التي يخالف مرتكبوها شرف مهنتهم مقابل بعض المكاسب مثل الصيادلة، الذين يقومون ببيع الأدوية المغشوشة والمهربة والمخدرة للمواطنين، بعد أن أصبح الربح هو القيمة السائدة في مجتمعنا، وعلى أساسها يتم احترام وتقدير الأفراد. وعن تزايد معدلات الجرائم بين الشباب الذين لم يسبق لهم الزواج مقارنة بالمتزوجين