الإرهاب في الشريعة الإسلامية والقانون
الدكتور عادل عامر
تعمل التشريعات الجنائية الوضعية في مختلف دول العالم على معالجة مشكلة الإرهاب، غير أنها تقف عاجزة عن وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة، وتكتفي بالنص على أفعال معينه تمثل صورًا من الجرائم الإرهابية يتم إخضاعها لنظام قانوني خاص لمواجهة أثارها على المجتمع وردع مرتكبيها . فالقانون الفرنسي على سبيل المثال لم يفرد للإرهاب قانونًا خاصًا، إنما عالجه ضمن نصوص قانون العقوبات، وحدد أفعالا معينه مجرمة أخضعها لقواعد أكثر صرامة باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام بصورة جسيمه عن طريق التخويف والترويع. وبموجب القانون رقم 86/1020 لعام 1986 عرف المشرع الفرنسي الإرهاب بأنه (خرق للقانون، يقدم عليه فرد من الأفراد، أو تنظيم جماعي بهدف إثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب). أما القانون الأمريكي فلم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب، والتنصت على المواطنين والمقيمين وتقييد حرياتهم. أما القانون المصري فلم يتعامل مع الإرهاب بوصفة جريمة مستقلة ولم يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية خاصة حتى صدور القانون رقم 97 في 1992 الذي عرف الإرهاب في مادته الثانية (يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو اللقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لإعمالها، أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين و اللوائح).
القانون الدولي والإرهاب
تجنب أغلب فقهاء القانون الدولي، والمنظمات الدولية وضع تعريف محدد ودقيق للإرهاب على اعتبار أن في البحث عن تعريف لهذه الظاهرة مضيعة للوقت والجهد والأجدى التركيز على الإجراءات الفعالة لمكافحته. وهو ما أكدته الأمم المتحدة في 19/12/1985 عندما أدانت الجمعية العامة جميع أشكال الإرهاب وأغفلت تعريفه، وهو ما فعله البروتوكولان المظافات لمعاهدة جنيف سنة 1949 ، 1977 والمؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المسجونين المنعقد في هافانا 1990 وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995.
ضبط التعريف
الإرهاب في اللغة العربية مشتق من الرهبة و التخويف، أما كلمة "Terror" في الانجليزية التي تعني الإرهاب، فإنها لا تعني التخويف والرعب، بل تعني عملياً إبادة للبشر لأسباب سياسية. وقد اختلف في المعنى السياسي لكلمة إرهاب العربية، فهناك من عرفها بأنها ( أي عمل عدواني يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين، ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل العنيفة. ويتخذ الإرهاب أماكن متعددة بين العدو إلا ساحة المعركة التي يشرّع بها استخدام العنف. فنجد الإرهاب يستهدف الطائرات المدنية وما تتعرض له من اختطاف، والمدينة المكتظة بالسكان وما ينالها من تفجيرات واغتيالات. ويُعرف كل من يضلع في بث الخوف والرهبة في قلوب الآمنين بالإرهابي). و منهم من عرفها بأنها ( نوع من إعداد القوة و السلاح لإثارة الرعب في نفوس الأعداء ومنعهم من الاعتداء على المسلمين، أي أنه نوع من العمليات الاحترازية العسكرية كما في لآية القرآنية: [وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو و الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم] سورة الأنفال:60
الإرهاب في الشريعة الإسلامية
أما الجريمة الإرهابية في الشريعة الإسلامية فلها صورتان: جريمة البغي، وجريمة الحرابة. فجريمة البغي هي جريمة سياسية تقترف ضد السلطة بناء على التأويل السائغ، والتأويل السائغ يقابل في القانون الباعث السياسي، فالتأويل قد يكون سائغأ وقد يكون فاسدا، وكذلك الباعث قد يكون دنيئا وقد يكون شريفا. وقد فرق الفقهاء بين البغي بحق، والبغي بغير حق والذي ينبغي وصفه بالجريمة، وأوجبوا الوقوف مع البغاة إذا كانوا على حق وكان الإمام جائرًا، أما إذا كانوا على باطل وكان تأويلهم غير سائغ، فيجب قتالهم إذا اجتمعوا في مكان معين، ليس لأن فعلهم يكون جريمة، ولكن لردهم إلى رشدهم، لذلك لايجب قتالهم إلا إذا بدءوا القتال، لقول الله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا أن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون أخوه فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون). وقد اشترط الفقهاء أن يكون الخروج بقصد عزل الإمام غير العادل، ومن ثم تقترب هذه الجريمة من الجريمة السياسية في القانون الوضعي، مما يستدعي تخفيف العقاب فيها والامتناع عن تسليم مرتكبيها. ومن ثم لايمكن النظر إلى الجرائم الإرهابية باعتبارها جريمة بغي، وإن كان لبعض مرتكبيها أراؤهم وتأويلاتهم، فخطف الطائرات والقرصنة البحرية واحتجاز الرهائن وطلب الفدية وقتل المدنيين وترويعهم لا يهدف إلى عزل الإمام غير العادل، خاصة إذا ما اتخذ عملهم بعد دوليا لا يتناسب مع وصف البغي والذي يستدعي أن يكون داخل الدولة بحكم استهدافه عزل الإمام الجائر. أما الصورة الثانية للإرهاب في الشريعة الإسلامية فهي جريمة الحرابة، وقد وضعت لها الشريعة شروطًا خاصة وأركانًا خاصة لا تتحقق إلا بوجودها لجسامة العقوبة المترتبة عليها، والتي ورد النص عليها في القرآن الكريم: [إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم]. والحرابة هي "خروج جماعه أو فرد ذي شوكه إلى الطريق العام بغية منع المسافرين أو سرقة أموالهم أو الاعتداء على أرواحهم وتخويفهم وترويعهم وقطع الطريق". وهكذا فإن الشريعة تعتبر الخروج لإخافة الناس في الطريق أو لأخذ أموالهم أو قتلهم أو جرحهم هو من قبيل الحرابة. وعليه، فإن جريمة الحرابة في الشريعة الإسلامية هي الصورة المقابلة للجريمة الإرهابية في التشريع الوضعي، وقد حرص الإسلام على ضمان أمن واستقرار المجتمع باعتبار هذه الجريمة من الكبائر ورصد لها أشد العقوبات لما في قطع الطريق وقتل الناس وإرهابهم من إشاعة للفوضى والرعب وإخلال خطير للنظام العام.