التبني والإقرار بالنسب بين الشريعة والقانون
الدكتور عادل عامر
المعالجة القانونية والشرعية للتبني والإقرار بالنسب
"التبني".. قضية مثارة دائمًا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والقانون الوضعي عالجها بفلسفته وأسلوبه، وقبله فقد عالجته الشريعة بنظرتها الأشمل والأوسع والأعمق والأعدل. ففي القانون الوضعي المصري، تتطلب لائحة قانون الأحوال الشخصية الموحد توافر شروط معينة فيمن يريد أن يتبني طفلاً، وتتطلب شروطًا أخرى وضعت لمصلحة الطفل المتبني، وأوجبت ضرورة اتخاذ إجراءات معينة لإتمام التبني.
أولاً: الشروط الواجب توافرها فيمن يريد أن يتبني طفلاً.
نصت المادة 130 من اللائحة على ضرورة أن تتوافر في المتبني الشروط الآتية:
1- أن يكون سنه تجاوز الأربعين عامًا.
2- ألا يكون له أولاد ولا فروع شرعيون وقت التبني.
3- أن يكون حسن السمعة والسيرة.
4- لا يجوز لأحد الزوجين أن يتبنى.. إلا برضا الزوج الآخر.
ثانيًا: الشروط التي اشترط القانون توافرها لمصلحة الطفل المتبنى.
ـ أجاز القانون أن يكون المتبنى ذكرًا أو أنثى.. بالغًا أو قاصرًا..، ولكن بشرط أن يكون أصغر سنًا من المتبني بخمسة عشرة سنه ميلادية. (مادة 131).
ـ ولا يجيز القانون أن يتبني الولد أكثر من شخص، ما لم يكن التبني حاصلاً من زوجين . (مادة 132).
ـ ولا يجيز القانون لأحد الزوجين أن يتبنى إلا برضاء الزوج الآخر.
ـ كما لا يجيز القانون التبني.. إلا إذا وجدت أسباب تبرره وكانت تعود من التبني فائدة على المتبني. (مادة 133). ـ وإذا كان الولد المراد تبنية قاصرًا.. وكان والداه على قيد الحياة.. فلا يجوز التبني إلا برضاء الوالدين.. فإذا كان أحدهما متوفًّى .. أو غير قادر على إبداء رأيه، فيكفي رضاء الآخر.
ـ وإذا لم يكن للولد ( الطفل) والديْن، أو كان طفل غير شرعي، أو عديم النسب، أو توفى والداه.. فجب موافقة الولي على التبني. (مادة 134 ).
وقد حدد القانون إجراءات التبني.. بأن يحصل التبني بعقد رسمي يحرره المأذون الشرعي بالجهة التي يقيم فيها راغب التبني، ويثبت به حضور الطرفين وقبولهما التبني أمامه ( مادة 136)، فإذا كان الولد المراد تبنية قاصرًا قام والداه أو وليه مقامه.
ويجب على المأذون الشرعي الذي حرر عقد التبني أن يرفعه إلى المحكمة التي يباشر عمله في دائرتها؛ للنظر في التصديق عليه بعد التحقق من الشروط التي يتطلبها القانون، وفي حالة الرفض يجوز لكل من الطرفين استئناف الحكم طبقًا للقواعد العامة. ( مادة 137).
والتبني بهذا الشكل القانوني يخول للمتبنى الحق أن يلقب بلقب المتبني، وذلك بإضافة اللقب إلى اسمه الأصلي (مادة 138).
ويؤكد القانون أن التبني لا يخرج المتبنى من عائلته الأصلية، ولا يحرمه من حقوقه فيها، ومع ذلك يكون للمتبني، وحده، حق تأديب المتبنى وتربيته وحق الموافقة على زواجه إن كان قاصرًا. ( مادة 139).
ويُلزم القانون المتبني بنفقة المتبنى، إن كان فقيرًا، كما أنه يجب على المتبني نفقة المتبنى الفقير، ويبقى المتبني مُلزَمًا بنفقه والديه الأصليين، ولكن والديه لا يلزمان بنفقة إلا إذا لم يمكنه الحصول عليها من المتبني ( مادة 140).
وللمتبني، في القانون المصري، كل حقوق الوالد أو الوالدة في الميراث ( مادة 141)، وللمتبنى أيضًا كل حقوق الابن أو الابنة في الميراث ( مادة 142).
الشريعة والتبني
وأن يجعل الإنسان غير ولده كولده النسبي في الرعاية والتربية فقط دون أن يلحق به نسبة، ولا يكون كأولاده الشرعيين، فهذا عمل خيري إذا دعت إليه عاطفة كريمة كحماية المتبنَّى من الضياع لموت والديه أو غيابهما أو فقرهما مثلاً، أو لإشباع غريزة الأبوة والأمومة عند الحرمان منها بالذرية، ولا مانع منه شرعًا، بل هو مندوب إليه من باب الرحمة والتعاون على الخير.
أما أن يضم الإنسان إليه ولدًا يعرف أنه ابن غيره، وينسبه إلى نفسه نسبة الابن الصحيح، وتثبت له جميع حقوقه، فقد كان معروفًا في الشرائع الوضعية قبل الإسلام، كما عرفه العرب في الجاهلية وظل معترفًا به في الإسلام، وبمقتضاه تبنَّى رسول اللَّـه ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة، فكان يُدعَى زيد بن محمد، حتى أبطلته الشريعة بعد الهجرة بأربع سنوات أو خمس، وكان زواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من زينب بنت جحش مطلقة زيد بن حارثة، تطبيقًا لهذا الإبطال، قال تعالى: {...وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} ، [سورة الأحزاب: 4، 5]. فالتبني بمعنى استلحاق معروف النسب أو مجهول النسب ونسبته إلى ملحقه مع التصريح من هذا الأخير بأن يتخذه ولدًا له حال أنه ليس بولده حقيقة، فإن التبني بهذا المعنى أمر محرم في الإسلام، كما دلت عليه آية سورة الأحزاب السابقة.
شروط صحة الإقرار بالنسب
والتبني غير الإقرار بالنسب، إذ أن المقر يعترف ببنوة ولد بنوة حقيقية، كالبنوة الثابتة بفراش الزوجية، ولكي يقع الإقرار بالنسب صحيحًا يتعين توافر شروط، هي:
1- أن يكون الولد – ذكرًا أو أنثى – مجهول النسب لا يُعرف له أب، فإن كان معلوم النسب فلا يصح الإقرار به.
2- أن يكون من الممكن أن يولد مثل هذا الولد المقر، فلو كانت سن المقر ثلاثين سنة مثلاً وسن المقر له مثل هذا أو أكثر أو أقل بقدر يسير كان كذب الإقرار ظاهرًا، فلا يثبت به النسب.
3- أن يصدق الولد المقر في إقراره بالنسب إذا كان مميزًا يحسن التعبير عن نفسه، فإذا كذبه وأنكر نسبته إليه، فلا يثبت نسبه منه، وإذا كان الولد لا يحسن التعبير عن نفسه، فإنه يكفي إقرار المقر لثبوت النسب، مع مراعاة الشرطين السابقين.
وخلاصة ما تقدم: أن التبني محرم بنص قاطع في القرآن الكريم، وهو المصدر الأول للأحكام الشرعية الإسلامية، وأن الإقرار بالنسب جائز ويقع صحيحًا بالشروط الموضحة.
وينبغي التفرقة بين التبني وبين الإقرار بالنسب حتى لا يختلط أمرهما، والفرق بينهما واضح من تحديد كل منهما على الوجه السابق بيانه، إذ أن التبني ادّعاء نسب لا وجود له في الواقع، أما الإقرار بالنسب فهو ادّعاء نسب واقع فعلاً، لكنه غير ثابت بمراعاة تلك الشروط.
والإسلام حريص في تشريعه على أن يكون الطفل نتيجة صلة مشروعة هي عقد الزواج بين الرجل والمرأة... وكان من القواعد التشريعية في هذا الصدد قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «الولد للفراش». أي: أنه متى تم عقد الزواج استتبع ثبوت النسب دون حاجة إلى دليل آخر سوى ثبوت التلاقي بين الزوجين مع صلاحيتهما الجنسية، وأن تمضي بين العقد والولادة أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر... كما أن نسب الطفل ثمرة الزنا لا يثبت للأب إلا باعترافه بنسبه، وبشرط ألا يصرح بأنه ابنه من الزنا؛ لأن الشريعة لا تقر هذا النسب بهذا الطريق.