ما هو الإطار الدولي لحقوق الإنسان؟
الإطار المرجعي الأساسي هو الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي تتكون من ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) والعهدان الدوليان المتلاحقان وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ICCPR والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ICESCR. وتحدد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الشروط الدنيا الأساسية ، وتنص على أحقية جميع الناس في التمتع بها. واتفاقيات حقوق الإنسان إنما تُفَسِر وتُفَصِل الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، كما توفر حماية خاصة للمجموعات المعرضة لانتهاك حقوقها كاللاجئين، والنساء، والأطفال، والشعوب الأصلية. وتعد تلك الاتفاقيات أيضا مصادر أو مراجع في العمل مع تلك المجموعات. أما عن القانون الإنساني الدولي، فهو المختص بتحديد الحقوق، ولاسيما الحقوق المدنية، في مناطق النزاعات المسلحة، (ويعرف أيضا بقانون الحرب لأنه يطبق في حالات الحروب والنزاعات المسلحة) وهو أيضا مرجع مهم في الإطار الدولي لحقوق الإنسان. يبدو أننا نعيش حالة من حالات انفصام الشخصية تتراوح بين ثقافة حقوق الإنسان ومستحقاتها، والسياسات الفعلية في تطبيقاتها. على السطح يبدو أننا من الدول الرائدة في الالتزام بحقوق الإنسان على الأقل بحكم عدد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعناها في هذا الشأن. وفى نفس الوقت فإننا نواجه انتقادات دولية قاسية بسبب الانتهاك المنظم لهذه الحقوق الثابتة للإنسان المصري. لذلك كانت الذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 فرصة سانحة لمراجعة وتقويم موقف الحكومة من تنفيذ التزاماتها الدولية وتطبيق ما تعهدت به في اتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعت عليها منذ صدور الإعلان العالمي. ليس ذلك فقط لأن مصر اشتركت في صياغة الإعلان العالمي، ولا لأنها وضعت توقيعا مسئولا وملزما على اثنين وأربعين عهدا واتفاقية دولية من باقة معاهدات حقوق الإنسان البالغ عددها ستون اتفاقية، ولكن لأن الإجماع القومي ونسبة مؤثرة من الرأي العام الدولي يريان أن مصر دولة متأخرة في تطبيق ما تعهدت به من احترام لحقوق مواطنيها الطبيعية. لذلك مرت مناسبة الذكرى الستين كسحابة صيف عابرة، وبدا ما صاحبها من كتابات وفعاليات نذرا متناثرا وتعبيرا عن أمل بلا عمل. لا جدال في أن توقيع مصر على سبعين في المائة من مجموع اتفاقيات حقوق الإنسان أمر جدير بالإعجاب، ولكن اتهام مصر محليا ودوليا بأنها لا ترعى حقوق الإنسان وتلاحق نشطائها يثير التعجب. فأين تقف الحقيقة؟يبدو أولا أن مصر الدولة غير قادرة على التوفيق بين مقتضيات الالتزام الدولي ومتطلبات حكم الطوارئ وما ينطوي عليه من إجراءات استثنائية في مجالات حرية التعبير والاجتماع والتظاهر السلمي. ويبدو ثانيا أن توقيع مصر على بعض أبرز الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان ثم التأخر أو الامتناع عن التوقيع على اتفاقيات أخرى مكملة لها بمثابة تحفظ على ما التزمت به أصلا، وخاصة فيما يتعلق بآليات التنفيذ. مصر مثلا وقعت على المعاهدة الدولية المناهضة للتعذيب والمعاملات والعقوبات الأخرى القاسية، غير الإنسانية أو المهنية (1987) ولكنها لم توقع على البروتوكول الاختياري المكمل لها الذي يجعلها عرضة للمساءلة الدولية بشأن التزاماتها في المعاهدة. كذلك الحال بالنسبة للمعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية ثم البروتوكولين المكملين لها و الذي يعطى احدهما أفراد الدولة الحق في اللجوء إلى الجهات الدولية إذا وقع عليه ظلم لم تنصفه فيه مؤسسات العدالة في بلاده. كما لم توقع مصر على المعاهدة الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسرى، ولا على البروتوكول الاختياري الملحق بمعاهدة منع التعذيب. وامتنعت مصر أيضا عن التوقيع على المعاهدة الدولية الخاصة بعدم انطباق قاعدة سقوط الجريمة بالتقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وهى المعاهدة التي أقرت منذ أربعين عاما. ومن المثير للاهتمام أن مصر طالبت أخيرا أكثر من مرة بإنشاء محكمة دولية لمكافحة القرصنة عند شواطئ الصومال وأبدت استعدادها للمشاركة في حماية هذه الشواطئ. لكن الغريب أنها لم تنضم بشكل تعاقدي إلى المحكمة الجنائية الدولية، مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا وأقلية أخرى من الدول. فإذا كان إحجام الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا عن التوقيع مفهوما خشية ملاحقة كبار مسئوليها بالاتهام الجنائي بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية في العراق أو أفغانستان أو جوانتانامو أو أبو غريب، أو في فلسطين المحتلة، أو في الشيشان مثلا، فإن امتناع مصر في هذا السياق عن التصديق على الاتفاقية غير مفهوم حيث لم يتورط كبار مسئوليها في جرائم حرب. والخشية أن ذلك كله يجعل التزام مصر النشيد بالانضمام لهذه الاتفاقيات من قبيل "الوجاهة الدولية" دون نية حقيقية للتطبيق. إن المنهج الدولي المتبع في تطبيق المعاهدات يوجب على حكومة الدولة الموقعة تقديمها للمجلس التشريعي للتصديق عليها فتتحول بذلك من التزام دولي تعاقدي إلى تشريع مقنن يعتد به قانونا.، لكننا لم نلحظ في السنوات الأخيرة حماسا يذكر في مجلس الشعب لإثارة هذا الأمر أو للتصديق على تعهدات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان. وهذه أيضا مفارقة غير مفهومة. فالحكومة القائمة بكل مؤسساتها هي حكومة الحزب الوطني الذي هو حزب الأغلبية المسيطرة على مجلس الشعب. ليس هناك إذن أي تعارض بين ما توقع عليه حكومة الحزب الوطني دوليا وما يشرعه برلمان الحزب الوطني محليا، ما لم يكن فكر أمن الدولة بمعناه الشمولي يتعارض مع سياسات الحزب الوطني.. الحاكم والمشرع. وأين «ثقافة» حقوق الإنسان التي وعد المجلس القومي بترسيخها، وهو الذي يتلقى أكثر من ألف شكوى شهريا من الأفراد عن انتهاك حقوقهم الراسخة في ظل تعهدات مصر الدولية؟لا يبدو من مخرج سوى أن تتبنى نوادي القضاة مبادرة تقضى باستلهام روح المعاهدات الدولية التي وقعت مصر عليها دون تصديق مجلس الشعب كمبادئ يعمل بها في التقاضي وإصدار الأحكام وحيثياتها، على أساس أنه لو أخذت هذه المعاهدات مجراها الطبيعي لما اعترض مجلس شعب الحزب الوطني على ما تعاهدت عليه حكومة الحزب، شريطة ألا يتعارض ذلك مع الدستور. حتى لو تطلب الأمر دراسة متأنية لنصوص اثنين وأربعين اتفاقية دولية وقعت عليها مصر فإن من شأن ذلك ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان والحد من الممارسات المفرطة لقوانين الطوارئ. إن ما ينشر عن التعذيب المنهجي في أقسام الشرطة ومن اعتداءات تطال القضاة أنفسهم أحيانا يعكسان ثقافة أن الفكر الأمني يتسامى على حقوق المواطن الذي يتطلع لحياة يعيش فيها في حماية قوة القانون، لا تحت إرهاب قانون القوة. وذلك لن يتم إلا بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان قولا وفعلا بتطبيق مصر لالتزاماتها الدولية.