أسباب تخلف العرب
الدكتور عادل عامر
كثيرا ما يسأل العرب، خاصة الشباب منهم، أنفسهم هذا السؤال: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ لماذا نرى الحياة تسير للافضل في بلاد اخرى بينما تسير للاسوأ او لا تسير على الاطلاق في بلادنا؟ الم تكن امتنا في يوم ما امة ناجحة قوية متقدمة، فلم تحولت الى امة ضعيفة متخلفة؟ وعادة ما تكون الاجابة على هذه الاسئلة حديثا عاطفيا حماسيا طويلا عن هموم البلدان العربية التي لا اول لها ولا آخر، ويختلط فيه ما هو شخصي بما هو موضوعي، وما هو علمي بما هو مزاجي، وينتهي الامر بلا شيء عادة. غير ان مجموعة من الباحثين العرب قررت ان تجيب عن هذه الاسئلة بشكل علمي وموضوعي، وان تقدم ببساطة ووضوح اسباب التخلف. صحيح ان متوسط دخل الفرد العربي اعلى من نفس النسبة في اغلب الدول النامية، الا ان اجمالي دخل الدول العربية كلها، بما فيها الدول النفطية، يبلغ نحو 531 مليار دولار سنويا، وهو اقل من اسبانيا وحدها! كما ان واحد من كل خمسة عرب يعيش على دخل اقل من دولارين يوميا. وخلال العشرين عاما الماضية كان معدل نمو متوسط دخل الفرد نحو 0.5% سنويا، وهو اقل معدل في العالم باستثناء منطقة جنوب الصحراء الافريقية. والنتيجة المنطقية لهذا النمو الضعيف في الاقتصاديات العربية من جهة، والنمو السريع في عدد السكان من جهة اخرى هو قلة الوظائف المتاحة، بحيث ان 15% من العرب باتوا يعانون البطالة الصريحة، ناهيك عن البطالة المقنعة. ويصل عدد هؤلاء الى 12 مليون فرد اكثرهم من الشباب. ويتوقع ان يرتفع هذا الرقم الى 25 مليون عام 2010. وفي رأي الباحثين العرب الذين وضعوا تقرير التنمية البشرية ان هذا التخلف العربي، الذي تؤكده المقاييس والمؤشرات العلمية، يرجع لثلاثة اسباب رئيسية: غياب الحرية، ونقص المعرفة، وضعف قوة عمل المرأة. ان اساسيات الحرية والديمقراطية غائبة. فالحكام، رؤساء و ملوك و شيوخ، لا يسلمون السلطة لآخر الا بالموت. اما الاعلام العربي فهو يعاني من قيود واسعة، ولا توجد دولة عربية بها حرية اعلام كاملة... ورغم ان العالم شهد تغييرات ديمقراطية واسعة في انحاء كثيرة، مثل دول اميركا الجنوبية، الا ان العالم العربي ظل في معزل عن رياح الديمقراطية. وغياب المعرفة يقول فيها الامام علي بن ابي طالب: "ان من اراد الله ان يذله حرمه من المعرفة". ويوضح التقرير انه على الرغم من انفاق الدول العربية نسبة اعلى من دخلها على التعليم مقارنة باي دولة نامية، الا انه من الواضح ان هذه الاموال لا تنفق في محلها. فقد تدهور مستوى التعليم بشكل واضح بحيث صار هناك فجوة هائلة بين نظام التعليم وبين احتياجات سوق العمل. اما مستوى الامية فانخفض قليلا لكن لا يزال مرتفعا. وحاليا هناك 85 مليون يعانون الامية منهم نحو الثلثين من النساء. وينفق العالم العربي على البحث العلمي اقل من سبع ما تنفقه دول العالم في المتوسط. وكانت نتيجة ضعف نظام التعليم والبحث العلمي العربي ان تخلف العرب بوضوح في مجال تكنولوجيا المعلومات، بحيث ان 0.6% فقط من السكان يستخدمون الانترنت، وهو من اقل المعدلات عالميا. والاهم من كل ذلك غياب الابداع بين الباحثين العرب بشكل عام، باستثناء حالات فردية. ونقص مشاركة المرأة يؤدي إلى تعطل نصف المجتمع حيث ان نسبة الامية بين النساء ارتفعت لثلاثة امثال ما كانت عليه منذ ثلاثين عاما، وان معدل مشاركة المرأة العربية في المجتمع هي الادنى بين كافة دول العالم. ووضعها هو الاسوأ في العالم باستثناء منطقة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا. ولعل اكثر ما يدل على سوء وضع المرأة ان الباحثين العرب انفسهم لم يتمكنوا من جمع معلومات سوى عن 14 دولة عربية من بين 22 دولة نتيجة للقيود الشديدة على هذا الموضوع. وبقى عامل آخر لتخلف العرب يرتبط بغياب الحرية ونقص مشاركة المرأة، وهو التفسيرات المغلوطة للاسلام. ان احد المقالات الواردة بالتقرير تبرز دعوة الاسلام للعدالة والمساواة والتسامح، غير ان اكثر الباحثين يرون ان التفسيرات الفقهية التي تحرم المرأة من حقوقها السياسية والاجتماعية هي احد الاسباب الرئيسية التي تؤدي لاستمرار تخلف العرب. كما ان تقييد حرية البحث والنشر بسبب ضغوط جماعات سياسية او دينية لا يمكن ان ينتج ابداعا او تقدما. وكما قال باحث سوري فان دور الفكر في العالم العربي "هو مجرد الشرح والتفسير لا البحث والتساؤل". بقى ان نشير لجانبين هامين في هذا التقرير: اولهما رفضه تحجج الحكومات العربية بالصراع مع اسرائيل كسبب لما تعانيه من فشل وتخلف. ولا يقبل الباحثون العرب ان يكون وراء فشل المجتمعات العربية مجرد عوامل خارجية دون التركيز على اسباب الفشل الداخلية. اما الجانب الثاني فهو حرص هذا التقرير على عدم الاشارة لحالات دول عربية فردية، بل الاشارة للوضع العربي العام. وهو ما يحقق ميزة النظرة الشاملة لحال العرب، لكنه ايضا ينطوي على عيب تجاهل الفروق الكبيرة بين المجتمعات العربية في بعض الامور. فعلى سبيل المثال الفارق كبير بين اوضاع المرأة في تونس او لبنان واوضاعها في السعودية. ان الصورة العامة للمجتمعات العربية مؤسفة ومقلقة، ولا تستدعي كلاما حماسيا عن تاريخ العرب المجيد بقدر ما تدعو لخطوات علمية لتجاوز ما نعيشه من فشل وتخلف. ما سر تقدم الغرب وتخلف العرب ... سؤال يطرح نفسه بجدية في وقت وصل فيه العرب الى أدنى الدرجات على جميع الأصعدة والمجالات بما فيها السياسة والإقتصاد والجانب الاجتماعي .. وصاروا لعبة وبيادق يلعب بها الغرب ويحركها أينما شاء ... في حين يشهد الغرب نهضة وتقدما جنونيا على جميع المستويات ... فما الفرق بيننا وبينهم وما سر هذا الاختلاف ونتائجه ؟؟تعيش المجتمعات الغربية مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة ويكفل القانون لجميع الفئات حقوقهم وواجباتهم فلا سيادة لغير القانون الذي يطبق على جميع الناس بدون إستثناء بل وصل الأمرفي مرات عديدة الى محاكمة رؤساء دول ووزراء وشخصيات هامة تم التفطن لخرقهم لقوانين في دولهم فتم الزج بهم في السجن وإزاحتهم من مناصبهم مثلهم مثل غيرهم من الناس العاديين ذلك أن المناصب الهامة في الغرب لاتحمي متقلديها من العقاب في حال خرقهم للقانون وتكفل حرية الصحافة والإعلام هذا الأمر فتجد الصحافيين يترصدون أصحاب المناصب والنفوذ ويسلطون الضوء بأقلامهم على أي تجاوز للسلطات أو خرق للقوانين .. فكم من وزير أو رئيس أو مسؤول أقيل أو أجبر على الإستقالة لتورطه في فضيحة مالية أو جنسية أو سياسية ... فالمسؤولية هناك تكليف وتنتهي بإنتهاء أمدها أو حدودها .. فلو إفترضنا مثلا أن وزيرا ارتكب مخالفة مرورية في الطريق لتمت معاقبته بنفس العقوبة التي تسلط على أي إنسان عادي .. والمسؤول يعيش حياته العادية بين الناس دون أي عقد أو نعال .. لماذا ؟ لأنه يحكم بالقانون .. وهذا القانون يطبق على جميع الناس سواسية ويضمن حقوقهم ويضبط ما لهم وما عليهم .. وتجد أغلب الناس عارفين ومدركين بعلوية القانون .. وفي مجال التربية والتعليم تجد المناهج متطورة ومواكبة للعصر وتقدم العلوم والتكنولوجيا فلا مجال لأن تجد نقصا في التجهيزات أو اكتضاضا في الأقسام أو نقصا في كفاءة المدرسين أو خللا على مستوى التسيير الإداري .. ينشأ الطفل هناك على حب العلم والمعرفة ويستعمل المدرسون وسائل بيداغوجية حديثة ترغب التلميذ في الدراسة ... كما أنه لا مجال لقمع التلميذ واضطهاده قالعقوبات البدنية محجرة وحقوقهم مضمونة ولا مجال لتهميشهم فهم يعاملون باحترام ويجاب على كل اسئلتهم مهما كانت ويدرسون كل العلوم فليس هناك محظورات أو " تابوهات " taboos فكل شيء قابل للطرح والنقاش والمعرفة على أسس علمية دقيقة ومدروسة ... فيتعلم الطفل أساليب الحوار والديمقراطية وينشأ على السلوك الحضاري وينهل من العلوم والمعارف الحديثة ويتربى على الخلق والإبتكار والإبداع ... كما تشجع حكوماتهم البحث العلمي وترصد ميزانيات ضخمة لذلك فميزانية النازا مثلا تعادل ميزانيات الدول العربية مجتمعة ...
الحال في بلداننا العربية ؟؟
وعلى عكس الوضع في الدول الغربية المتقدمة يعيش العرب على الأطلال البائدة والأمجاد الضائعة ... وترى الناس في الجهل والضلالة يعمهون وفي وحل التخلف الفكري والحضاري يتمرغون ... فلا مساواة بين الأفراد ولا قانون يسود على جميع الناس بل يسلط هذا القانون على رقاب الناس الضعفاء ويستثني أصحاب المناصب والنفوذ وتعيش المرأة تهميشا وإقصاء كبيرين في مجتمع ذكوري تسوده النعرات الطائفية والقبلية ويحكمه التعصب والجهل والفوضى
وينشأ الناس على الخوف والكبت والحرمان فلا حريات مكفولة ولاحقوق مضمونة ولا قانون يسود بين جميع الناس فيتعطل التفكير ويجمد الإبداع وترى الناس عاجزين عن إبداء آرائهم بكل حرية بل ويبررون المنطق باللامنطق ويميلون للشعوذة والدجل واللا معقول ويخلطون بين الأمور ويستندون على أفكارموروثة خرافية ليسوا مقتنعين بها في حواراتهم ونقاشاتهم ... ويمررون جهلهم لأطفالهم وهكذا دواليك ..
غياب الديمقراطية والحريات هي السبب الرئيسي ؟؟
في دول تفتقر لأبسط مقومات المجتمع المدني وتغيب فيها الحريات الفردية ويمارس على الناشطين الحقوقيين شتى أصناف التنكيل والقمع وتنتشر فيها البطالة والرشوة والبروقراطية وتهرب منها الأدمغة ويغامر فيها الشباب بحياتهم للهروب منها ... وفي دول تتوارث فيها الحكم فئة جاهلة ومستبدة تتلاعب بمصالح شعوبها الحيوية وتتاجر بقضايا الأمة وتركع أمام العدو .... وفي دول تقصي نصف المجتمع وتهمش القضايا المصيرية وتهتم بالقضايا التافهة والمصطنعة ... فكيف ثم كيف ثم كيف لها أن تتقدم وتتطور وتواكب سير التقدم والحضارة ؟؟؟وشتان بين دولة تقدس العلم والعمل ودولة تقدس الجهل والتخلف .... هذه مقاربتي للأشياء واعذروني إن كنت قاسيا في حكمي إو متشائما في طرحي ... لكن ببساطة هذه هي الحقيقة المرة التي يجب الإصداع بها عسى أن نجد حلولا ناجعة وفعالة لهذه المشكلات ولنتذكر دائما وأبدا أننا كنا في وقت من الأوقات " خير أمة بعثت للناس " . وشتان بين دولة تقدس العلم والعمل ودولة تقدس الجهل والتخلف رغم أن الله أنعم علينا بأكبر نعمة وهي نعمة الإسلام الذي يحث الناسعلى طلب العلم والعمل والجهاد وينبذ هذه الأشياء ... لكن أيننا نحن من مبادئ الإسلام ونوره وهديه ؟؟