الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: الإسلام والعلمانية الأحد فبراير 01, 2009 8:36 pm | |
| الإسلام والعلمانية ومرة أخرى على الرغم من قوة الطائفة الدينية في الإسلام، إلا انها لم تفرض قوتها بشكلٍ نهائي على الطائفة السياسية، فالسياسة هي غير الدين لذا كان التنافر هو دائماً حصيلة الصراع بينهما وعدم الاتفاق، فما مارسه الدين على السياسة هو تسيير قدر الإمكان مع التحفظ من السلبيات التي انتجتها النظم السياسية والتي كانت تشذ عن المبادئ الدينية الإسلامية. ان نظرة دقيقة لمحاولة الدوائر الغربية/ الأمريكية بتسييس الإسلام والنظر له من خلال مركب علمانية/ ديمقراطية قد يكون قد حسم الأمر، إلا ان الأمر خلاف ذلك، فنظرة الغرب هي نظرة التهميش للإسلام وليس لجعلهم يحذون حذو قالبهم الخاص العلماني والديمقراطي. فالخوف من سطوة الإسلام ربما هي التي دفعتهم إلى التبرير من أنهم يريدون ان يكون القالب الإسلامي على غرار قالب العلمانية والديمقراطية، وبالفعل وبحقيقة لا شك فيها قد مارست النظم السياسية الإسلامية ممارسات مصادرة المعنى الحقيقي للدولة ودورها في قيادة المجتمع. ان الدين منهج وعقائد ثابتة والسياسة لعبة، ومن ذلك تنافر الطرفان وتصارعا في محاولة كل منهما لإسباغ طابعه الذي يريده على الآخر. فالقضية تبدو ان هناك تقارباً إلا ان الأمر يشير إلى خضوع أحدهما للآخر، فقد تخضع السياسة للدين لقوته وقد يخضع الدين للسياسة لقوتها، أي ان النتيجة هي ضعف طرف على حساب آخر وليس تقارباً أو تفاهماً والذي لا يحدث إطلاقا. في موضعٍ آخر تبدو الصورة مشوشة بعض الشيء لضبط العلاقة الجدلية بين الأنا والآخر، فهل تمادى الآخر على الأنا، أم أن العكس صحيح، أم ان الأمر مجرد محاولة التشبث كلاً بمكانه والدفاع عن نفسه، أم محاولة لتوسيع الفكر والممارسات على حساب الطرف الآخر؟ يمكن القول ان هناك صراعاً عصيباً وشبه عقيم بين الطرفين، فلا الأنا المسلم والشرقي سينجرف كل الانجراف للآخر الغربي، ولا الآخر سيميل عن كفته للكفة الأخرى. فلا العلمانية لها جذور قوية يُعتمد عليها حاضراً في الإسلام، ولا الإسلام المُحارب حالياً يمكن ان يستند عليه الغرب. ربما مشكلتنا في أننا دائماً نتكلم عن العلمانية بأنها هدامة في كل شيء فنتوجس خيفة شديدة منها، فلماذا لا نأخذ بتطوراتها بما ينفعنا مع الإبقاء على جذورنا قدر الإمكان دون تقاطع أو تعارض ان استطعنا ذلك، إذ ان الأمر قد لا يعني أما البقاء على هذا الطرف أو التحول إلى الآخر. ملامح المواجهة ان قيادة الدين والإسلام بشكلٍ خاص للسياسة في العراق كانت قيادة تصادمية لم تعرف الاستقرار، مما يدلل رفض أو عدم تأقلم السياسة بشكلٍ كبير مع الإسلام والقيادة الدينية، فحدث التصادم وليس التوافق والتوائم. لماذا تملك العلمانية بهذا القدر الكبير سيطرة عن بعد في التحكم في عقولنا، لماذا لا نتحكم نحن بها بأخذ الميزات منها وترك سلبياتها. ألا يمكن ذلك مع قليل من السلبيات؟ لماذا وضعنا العولمة كطلسم لا نستطيع فك رموزه، ونحن نمتلك قوة الإسلام؟ ان ما يؤكد حكمنا حول صراع الدين الإسلامي مع السلطة السياسية في العراق، هو تشبث وتجذر المفاهيم الدينية بقوةٍ عند العراقي؛ الأمر الذي خلق تأزما واضحاً مع ما يناقض ما يؤمن به وهو منهج السياسة والدولة. ومن ذلك برز التسطح والتغريب والتباعد والانزواء والتصادم بين الطرفين إلى حد التمويه والتقاطع في اغلب الأحوال. يقول الدكتور غسان سلامة (إن التحدي الديني للدولة يأتي في العراق من ثلاثة أطراف مختلفة، التواصل بينها متواضع: الأكراد السنة، العرب السنة والشيعة من عرب وفرس وأكراد)(2). ومن ذلك تبيان واضح للفجوة الكبيرة بين الدين والسياسة ومحاولة كل منهما تسيير الآخر حسب وجهته، فجميع طوائف العراق الدينية تختلف في المنهج عن السياسة الحاكمة وتتقاطع معها لفرض التوائم بما تريد هذه الأطراف. ان الآخر لم يخترقنا بالطريقة وبالصورة المرعبة التي نتصورها، وإنما فحوى القضية تتمثل في وصول صوت الإسلام إلى عقر دار ذلك الآخر، ومن ذلك انتفض بعلمانيته وعولمته محاولا تطبيق مبدأ " خير وسيلة للدفاع هي الهجوم " فبانت لنا الصورة بمحاولات اختراقية، وإنما هي في الأصل وسائل للدفاع ليس إلا. لكن مشكلتنا أننا قد وقعنا في شباك وسائلهم الدفاعية، فمالت ربما الكفة بعض الشيء بنا نحو التخبط والفوضى وعدم معرفة السبيل لتجاوز هذه المحنة. الوقوع في دائرة العولمة ومن ذلك طُرِحت العولمة ذات الصنيعة الغربية بملامح تشير إلى الايجابي والسلبي وتُرِكت سائبة، فمن فقهها تمكن من أخذ خيراتها ومن جرفته دون الوعي بها طالته وبشدة جميع سلبياتها. لقد باتت قضية الشرق والغرب واضحة المعالم من حيث الندية بين الطرفين، وغامضة المضمون من ناحية كيف ستؤول الأمور بينهما. ان ديمقراطية الغرب بعيدة عن ديمقراطية الشرق والمسلمين، لكن لا يعني ذلك لا توجد ديمقراطية للإسلام وإنما لكل منهما نهجا خاصاً به. لماذا عندما نتكلم عن الديمقراطية نصور لأنفسنا قالب الغرب الديمقراطي الجاهز، لماذا لا نحتذي بنموذج الإسلام في نشر العدل وحكم الشعب والإنصاف. لماذا لا يكون تحديثنا مرتبطاً بأيديولوجية ديمقراطية إسلامية لا تضع حداً فاصلاً بينها وبين الدولة. نعم من الممكن ان تكون هناك هوة واسعة بين الطرفين عندما يتبنى الإسلام القالب الديمقراطي الغربي. وبطريقةٍ معكوسة ان تبني الغرب لنموذج ديمقراطي إسلامي قد يوقعه في فخ الأزمات الذي ابتلى به الشرق المسلم. فحقيقة الأمر هي عدم تلائم صيغ واطر ما للغرب عند العرب والمسلمين، لكن المسألة تتوقف في محاولة النظم السياسية نتيجة عدم وجود شكل محلي يناسبها في الحكم إلى التشبه بالنظم الغربية وممارساتها. التساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح، لماذا نحاول ان نتشبه نحن بالآخر حتى نصل إلى ضفة الأمان، لماذا لا يتشبهون هم بنا، هل سبب ذلك الانكفاء أم العزلة، أم الرغبة في التبعية؟ إن مثلث المواجهة إذا كانت بالفعل هي مواجهة أم تحديد مواقف للطرفين ممكن ان يكون بالشكل الآتي: فيجب أن نُحدّث وفق ما يتلاءم مع مقدراتنا وأسسنا وقيمنا ويساندنا في ذلك الإسلام، فالتعاطي مع الإسلام بصورته الحالية قد لا يجدي نفعاً، وإنما محاولة تطويع الإسلام بما يخدم قيمنا وتقاليدنا والانفتاح قدر الامكان على الآخر بأخذ وهضم إيجابياته دون السلبيات والتعامل بشفافية ومرونة معه، وبذلك ممكن ان نحقق النموذج الديمقراطي الذي نبتغيه ويختلف عن النموذج الغربي الجامد بالنسبة لنا. الهوامش: 1- د. غسان سلامة، المجتمع والدولة في المشرق العربي، الطبعة الأولى، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1987م، ص30. 2- نفس المصدر السابق، ص 256. | |
|