جريمة الزنا بين الشريعة والقانون
الدكتور عادل عامر
للقوانين الوضعية مواقف مختلفة وشاذة من جريمة الزنا، وعقوبتها فمنها:
(1) قوانين لا تعاقب على الزنا إطلاقًا؛ (كالقانون الإنجليزي والروسي).
(2) قوانين تعاقب على الجريمة، دون تفرقة بين زنا الزوج، أو الزوجة (كالقانون الألماني).
(3) قوانين تعاقب على الجريمة، مع التفرقة بين جريمة الزوج، والزوجة (كالقانون الفرنسي)، الذي نُقِل عنه التشريع المصري على سبيل المثال.
وقد عالجها قانون العقوبات المصري، في المواد (272- 277- عقوبات)، مقتبسة من المواد (336- 339)، الواردة في قانون العقوبات الفرنسي.
ميراث الحضارات المتصدعة
والتفرقة بين زنا الزوج والزوجة، هو في الحقيقة أثر من آثار القانون الروماني، الذي يحصر جريمة الزنا في فعل الزوجة فقط، وهو من آثار الانحلال الأخلاقي في روما القديمة، والتي كان أكبر أسباب انهيار دولتها، ومدنيتها قديمًا، ثم هو أعظم معاول الهدم في الحضارة المعاصرة، وريثة الانحلال الروماني، ويتضح هذا الخلط العجيب المعيب في هذه القوانين "الأصل والفرع" في مواضع عديدة، ومنها في القانون المصري، على سبيل المثال:
(ا) زنا الزوجة يثبت في أي مكان ترتكب فيه الجريمة، بينما لا يثبت زنا الزوج إلا إذا ارتكب الجريمة في منزل الزوجية، (المادتان 247، 277 - عقوبات).
(ب) تعاقب الزوجة بالحبس، مدة أقصاها سنتان، بينما لا يعاقب الزوج، إلا لمدة أقصاها ستة شهور، (277- عقوبات).
(ج) ليس للزوجة أن تعفو عن زوجها بعد الحكم النهائي عليه، (وتستطيع قبل ذلك)، بينما للزوج حق العفو عنها ولو بعد الحكم النهائي، (مادة 274).
(د) قيد القانون حق النيابة العامة في رفع دعوى الزنا ضد الزوجة الزانية، فلا يصح للنيابة إقامة الدعوى إلا بناء على شكوى من الزوج نفسه، أو من يوكله توكيلًا خاصًّا بهذه الدعوى.
(هـ) يمنع القانون الزوج من طلب محاكمة زوجته الزانية، ولو توافرت الأركان القانونية للجريمة، في حالات؛ منها ـ على سبيل العجب ـ إذا سبق الحكم على الزوج بجريمة الزنا!!
وهذا القانون يعطي تخفيفًا للزوج إذا قتل زوجته، ومن يزني بها عند التلبس، بينما هي لا تُعطى هذا التخفيف إذا قتلته. وإنما تحدثنا عن "زنا الزوجية"؛ لأن هذا القانون نفسه لا يعتبر المواقعة جريمة زنا، إلا إذا وقعت بين رجل متزوج وامرأة متزوجة!! أو كان أحدهما متزوجًا بالشروط والأوضاع التي حددها!! وهذا القانون يقرر أنه: (لا عقاب على مواقعة أنثى، برضاها، إذا جاوزت الثامنة عشر، إلا إذا تم ذلك في منزل الزوجية). ثم هو يُخرج جريمة الاغتصاب ـ أي هتك عرض أنثى، دون رضاها ـ من باب الزنا، ويدخلها تحت باب خاص يسميه: "جرائم العرض".