الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: منهج الإسلام في تحقيق التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع الخميس مايو 14, 2009 8:50 pm | |
| منهج الإسلام في تحقيق التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع الدكتور عادل عامر من الظواهر الخطيرة التي تعاني منها كثير من المجتمعات العالمية المعاصرة، سيطرة الطبقات الانتهازية والطفيلية على اقتصاديات هذه المجتمعات، دون عمل أو جهد حقيقي وإنما اعتماد على أمور غير إنتاجية كالمضاربات والعمل في البورصة.. الخ. وإذا كان أعداء الإسلام يتهمونه بأنه لا يملك منهجًا واضحًا يدير به الجوانب الاقتصادية المعقدة، فإننا نطرح في هذه السطور منهج الإسلام في تحقيق التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع. وبداية فإن أساس الثروة والغنى في الإسلام هو العمل، فالله تعالى يقول: (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأحقاف/19]، ويقول تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء/95، 96]. وعليه فإن اغتناء الناس وتفاوتهم في أرزاقهم ومعيشتهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وتفضيل بعضهم على بعض، ليس في الإسلام اعتباطًا، وإنما هو بقدر ما يبذلونه من جهد وعمل صالح، وصدق اللَّـه العظيم: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [النجم/39-41]، وقوله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات/13]، أي أكثركم عملاً صالحًا أو نفعًا، إذ كما ورد في الحديث النبوي: «أحب الناس إلى اللَّـه أنفعهم للناس»، وفي رواية أخرى للإمام البخاري: «الخلق كلهم عيال اللَّـه، وأحبهم إليهم أنفعهم لعياله». وإذا كان الناس يتفاوتون في كفايتهم، وفي مقدار ما يبذلونه من جهد، فإنه من الطبيعي أن يتفاوتوا في مقدار ما يحصلون عليه من دخل، أو يكونونه من ثروة، فالتفاوت في الدخول والثروات، هو مما يقره الإسلام، باعتباره أمرًا طبيعيًّا، تبعًا لاختلاف المواهب والقدرات، وباعتباره أيضًا حافزًا على الجد والعمل؛ إذ لو تقاضى كل الأفراد دخولاً متساوية أو متقاربة لما عني أحدهم بزيادة جهده أو إتقان عمله. كما أن التفاوت والتنوع في الدخول والثروات على المستوى الإقليمي أو العالمي، هو أمر ضروري للتعارف والتعاون، إلا أن التفاوت الذي يسمح به الإسلام، هو التفاوت المنضبط أو المتوازن، أي بالقدر الذي: على المستوى الفردي يحفز على العمل والإتقان، وعلى المستوى الإقليمي أو العالمي يحقق التكامل لا التناقض، والتعاون لا الصراع. فالإسلام يرفض بشدة التفاوت الفاحش في توزيع الثروة والدخل، والذي يستأثر من خلاله فئة معينة أو دول معينة بالخير كله، مما يؤدي إلى تهميش الأغلبية وسلبيتها أو إلى اغترابها وإثارة حقدها وثورتها، فضلاً عن كافة المساوئ، وهو الأمر الذي حذَّر منه القرآن بقوله تعالى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر/7]، بمعنى أنه لا يجوز شرعًا أن يكون المال متداولاً بين فئة قليلة من الناس أو دول محدودة، بل أن يعم الخير الجميع. إن النظم الجماعية والاشتراكية تحرص على تغذية الكراهية والصراع بين الطبقات، وتسعى على المستوى الفردي إلى تحقيق المساواة الفعلية مضحية بالمبادرة الفردية والباعث الشخصي، وعلى المستوى الدولي إلى الرغبة في السيطرة على مقدرات العالم، بينما النظم الرأسمالية والتي تهتم بالفردية والرأسمالية تطلق من شأن التفاوت، مما يؤدي إلى استئثار الأقلية أفرادًا كانوا أو دولاً بكل خيرات المجتمع أو العالم، وتحكمها في الأكثرية الكادحة، وهذا يؤدي إلى وجود الطبقية ونمو الكراهية والحسد، والصراع بين أفراد المجتمع ودول العالم، ويخل بتوازنها. أما فلسفة الإسلام في توزيع الثروة فهي العدالة لقوله تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة/18]، وأبرز صور هذه العدالة هي في حفظ التوازن الاقتصادي، سواء بين الأفراد على مستوى الوطن الواحد، أم بين الدول على المستوى العالمي. فالإسلام إذ يحث ويدعو إلى الثروة والغنى، إلا أن ذلك مشروط بألا يكون المال متداولاً بين فئة قليلة من الناس، أو قاصرًا على دول معينة، وبعبارة أخرى، ألا يكون هناك تفاوتًا شديدًا في توزيع الثروات، تستأثر من خلاله فئة معينة من الأفراد أو دول معينة بالخير كله، بل أن يعم الخير الجميع، بأن يكون التفاوت منضبطًا أو متوازنًا بحيث لا يكون هناك ثراء (فاحش)، وبجواره فقر مدقع، أو كما يقال تختص فئة (بالتمر) وكثرة (بالنوى). ومشكلة الاقتصاد الوطني، هي أساسًا في اختلال التوازن، سواء في أسس توزيع الثروة بين أفراد المجتمع (أي ما اصطلح عليه بالتوزيع النظري أو الشخصي)، أم في مكافأة عناصر الإنتاج (أو ما اصطلح عليه بالتوزيع العملي أو الوظيفي). كما أن مشكلة الاقتصاد العالمي اليوم، هي أساسًا في الهوة المتزايدة بين الدول النامية والدول المتقدمة، وفي عدم التكافؤ في التداول ببخس أسعار المواد الأولية للدول النامية، والمغالاة في أسعار المنتجات الصناعية للدول المتقدمة وانتفاء أي علاقة عادلة بينهما. ولا يستهدف بصفة أساسية، أي تغيير أو إصلاح أو أي نظام جديد، سوى تحقيق التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع على المستوى المحلي، وتحقيق التوازن الاقتصادي بين دول العالم على المستوى العالمي، الأمر الذي نبّه إليه الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا بقوله تعالى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ). ومن هنا يختلف موقف الإسلام عن مختلف النظم الوضعية المعروفة: - فهو لا يقر التفاوت الشديد أو تسلط أقلية على مقدرات الجماعية كما هو شأن المذهب الفردي والنظم المتفرعة عنه كالرأسمالية. - كما لا يقر إذابة الفوارق وإقامة المساواة الفعلية أو المطلقة، كما هو شأن المذهب الجماعي والنظم المتفرعة عنه كالاشتراكية والشيوعية. - وإنما هو يحترم التباين والتفاوت تبعًا لاختلاف المواهب والقدرات، مع تقريب الفوارق أو الفجوة بين أفراد المجتمع أو دول العالم بما يحقق لها التعاون والتكامل لا السيطرة والاستغلال. وبعد ضياع وتخبط طويل، وبعد تضحيات ومآسي على مدى القرون، يعود العالم ليتنبه إلى ما سبق أن قرره الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا من ضرورة حفظ التوازن الاقتصادي سواء بين الأفراد على المستوى المحلي أو بين الدول على المستوى العالمي. وترتفع اليوم الأصوات مجمعة على ضرورة إعادة توزيع الثروة والدخل على نحو يخفف حدة الصراع والتناقض. الواقع الدولي اليوم يقول: إن ما يقرب من ثلثي البشر يعيش الفرد منهم بأقل من نصف دولا يوميًّا، ويعاني الكثير منهم من أمراض سوء التغذية، بينما تستهلك الدول الصناعية المتقدمة من موارد العالم بالنسبة للفرد بمعدل يزيد عشرين مرة عن مثيله في الدول النامية، وهذا يكشف لنا كيف يمكن لزكاة البترول والتي تقدر اليوم بالبلايين أو المليارات من العملات الصعبة أن تلعب دورها الفعال في القضاء على الفقر على مستوى العالم العربي، وتحقيق عدالة التوزيع بين المجتمعات الإسلامية التي لا تعرف بينها بحكم الشرع الإسلامي حدودًا أو جنسية، وبالتالي تحقق توازنها واستقرارها وتقدمها الاقتصادي والحضاري. وإذا كان الإسلام لا يرضى أن يشبع مسلم ويجوع جاره وهو يعلم، فإنه لا يرضى أن تشبع دولة إسلامية بينما تجوع أختها بل ويثقل كاهلها بقروض ربوية، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخاطب والي مصر عمر بن العاص عام الرمادة بقوله: «إلى العاصي بن العاص، سلام اللَّـه عليك، أما بعد أفتراني هالكًا ومن معي، وتعيش أنت ومن معك؟ فيا غوثاه ثلاثًا»، فرد عليها عمرو بن العاص: «أما بعد، أتاك الغوث، لأبعثن إليك بعير، أولها عندك وآخرها عندي» [انظر الطبقات الكبرى لابن سعد، الجزء الثالث ص310]. فهل لو كان مال مصر حق لها وحدها، كان عمر سيطلب ذلك بتلك اللهجة؟؟ وقوله رضي اللَّـه عنه: «إن الراعي بجبل صنعاء سيصله حقه من هذا المال الذي قدم من خراج العراق والشام ومصر» [انظر: الخراج، للإمام أبو يوسف ص25]. مشكلة العالم الإسلامي، مردها أساسًا فقر أغلبية المسلمين مما حال دون حصولهم على التعليم الكافي، أو العلاج الطبي اللازم، أو السكن المناسب، ومما أدخلهم في الحلقة الجهنمية المفرغة للجهل والمرض والضياع، ولا أطالب في هذا الصدد بأكثر من إعطائهم حقهم الشرعي، بتخصص 20% من فيء أو دخل البترول باسم الزكاة بحيث يوزع على المستحقين شرعًا من مواطني الدول المنتجة للبترول، وما يزيد وهو يقدر بمليارات من العملات الصعبة يوزع على سائر الدول الإسلامية حسب ظروفها واحتياجاتها. وإذا استلزم الإسلام عدالة التوزيع منكرًا التفاوت الفاحش في توزيع الثروة، فقد كان له ثلاث وسائل رئيسية لضبط التفاوت وحفظ التوازن الاقتصادي، سواء بين الأفراد على مستوى المجتمع المحلي أو بين الدول على مستوى المجتمع العالمي باعتبار الإسلام دعوة عالمية موجهة للبشر كافة، وأعرض لهذه الأساليب بإيجاز فيما يلي: أولاً: عدم السماح بالثروة والغنى إلا بعد ضمان حد الكفاية لا الكفاف لكل فرد، أيًّا كانت جنسيته أو ديانته. فضلاً عن عدم السماح كلية، بكنز المال أو حبسه عن التداول، أو إنفاقه في سرف أو ترف، على الوجه السابق بيانه بمختلف أسانيده الشرعية. ثانيًا: عدم السماح باستئثار أقلية بخيرات المجتمع: ذلك أن قوام المجتمع الإسلامي، هو العدل والمحبة والتعاون، وأن التفاوت الفاحش في توزيع الثروة واستئثار أقلية بخيرات المجتمع، يتنافى والعدل بل يؤدي إلى الجور وتحكم الأقلية وطغيانها، كما يولد الكراهية والحسد في نفوس الأكثرية الكادحة، ويخلق الطبقية والصراع بينها، ويقضي على الانسجام بين أفراد المجتمع ودول العالم، ويمحق تماسكها. فهو فساد وإفساد من جميع الأوجه، ولكافة الأطراف، أغنياء كانوا أن فقراء، ومتقدمين كانوا أو متخلفين. لذلك جاء النص القرآني صريحًا بقوله تعالى: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر/7]، بمعنى أنه لا يقبل في الإسلام أن يكون المال متداولاً بين فئة قليلة من الناس أو الدول، كما جاء النص النبوي صريحًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» [أخرجه الشيخان البخاري ومسلم]. ثالثًا: إعادة التوزيع عند افتقاد التوازن: وانطلاقًا من ذات المبدأ الإسلامي بشأن التفاوت المنضبط أو العدالة في توزيع الثروة، وبالتالي الدخول، تعين على المشروع الإسلامي أو ولي الأمر أو أهل الحل والعقد، التدخل من وقت لآخر لإعادة هذا التوازن عند افتقاده. | |
|