ويرجع النشاط والنمو والازدهار في هذا الدور إلى العوامل الآتية
1- عناية الخلفاء العباسيين بالفقه والفقهاء.
2- حرية الرأي فيما عدا الأمور السياسية.
3- كثرة الجدل والنقاش العلمي.
4- كثرة الوقائع.
5- ظهور الموالي في المجال العلمي.
6- تأثر العقول بالثقافات المختلفة.
7- تدوين العلوم وانتشار الترجمة ونقل الكتب من لغاتها إلى اللغة العربية.
هذا وقد امتاز التشريع في هذا الدور بسمات وخصائص انفرد بها عن الأدوار السابقة واللاحقة حيث ازدهر ونضج في فترة وجيزة لم ينضج مثلها تشريع آخر وخصوصا في القرنين الثاني والثالث والرابع، ونذكر فيما يلي بعضا من هذه السمات:
-1- بلوغ الفقه حد الكمال والنضج حيث سيطرت مبادئه على كل نواحي الحياة.
-2- ظهور أعلام الفقهاء الذين تزعموا الاجتهاد وانتشارهم في كل الأقاليم.
-3- نشأة المذاهب الجماعية، حيث نشا ثلاثة عشر مذهبا فقهيا لأهل السنة وكذا ظهور مذاهب من غير أهل السنة كالزبدية والأمامية والاباضية ولقد كانت هذه المذاهب الفقهية في هذا العصر جماعية لأنها لم تكن من عمل إمام المذهب وحده بل كانت ثمرة عمله وعمل المجتهدين من تلامذته.
-4- اشتداد الخلاف حول مصادر التشريع الإسلامي.
-5- اتخاذ الحكومات مذاهب خاصة بها. حيث كان فقه أبي حنيفة يسيطر على الحياة التشريعية في الدولة العباسية وكان فقه الإمام مالك يسيطر على المغربي وبلاد الأندلس.
-6- بناء الأحكام على العرف.
-7- تدوين العلوم المختلفة وعلى رأسها الفقه والسنة وكذلك علم أصول الفقه.
-8- اتساع الخلاف بين الفقهاء وكثرة المسائل الفقهية المختلف فيها بالنظر إلى كثرة المجتهدين وكثرة الوقائع مع تعذر اجتماع الفقهاء في مكان واحد للتشاور وإبداء الرأي وتوحيده.
-9- ظهور المصطلحات الفقهية المتعددة.
دور توقف الفقه عن نشاطه (دور ابتداء التقليد ثم الجمود والتأخير)
وكانت السمة الغالبة هي توقف الفقه عن نشاطه إذ حلّ بالفقه الإسلامي التدهور والانحدار تدريجيا للأسباب الآتية
-أولا - وجود ظاهرة الاضطراب السياسي مما أثّر على الحركة العلمية وأضعف شأنها، مما حال دون اتصال العلماء في الأقطار المختلفة، والثابت أن الرحلات كان لها الفضل العظيم على تكوين ملكات العلماء وتنمية التشريع.
- ثانيا - انشغال الولاة والحكام بالسياسة والحروب منصرفين بذلك عن العناية بالعلم والعلماء.
- ثالثا - ضعف الاستقلال السياسي في الأقطار الإسلامية مما أضعف روح الاستقلال التشريعي.
- رابعا - موت روح الاستقلال الفكري والتجديد التشريعي لدى العلماء وسرت روح التقليد وموت ملكة التجديد والابتكار، وحصر العلماء أنفسهم في دوائر حول المذاهب لا يتعدونها والتزم كل واحد منهم بمذهب لا يتجاوزه.
وقد تجلّت أسباب التقليد في أربع أمور
1- تدوين المذاهب
2- التعصب المذهبي.
3- ولاية القضاء.
4- غلق باب الاجتهاد.
وفي هذا الدور لم يكن شغل العلماء إلا جمع الآثار وترجيح الآراء والإفتاء في المسائل التي لم يتعرض لها السابقون، ويمكن حصر عمل الفقهاء في أمور ثلاثة هي:
-1- تعليل الأحكام.
-2- الترجيح.
-3- الانتصار للمذاهب.
هذا وقد اعتاد العلماء المشتغلون بالفقه المذهبي على تقسيم العلماء إلى طبقات، واختلفت طبقات المذاهب وتقسيماتهم. وبذا سقط الفقه الإسلامي من عليائه حيث اتسمت مؤلفات هذه الفترة بالتعقيد والإلغاز والرموز، مما أرهق الذهن وأتعب الفكر لأخذ الأحكام منها. وعمت البلوى وانصرف العلماء إلى الكسل والإخلاد إلى الراحة وكثرة المسائل والفروع التي نقلت عن أئمتهم واكتفوا بالنقل والترجيح والتجميع.