مراعاة منه للوصول الى الحقيقة، وليمكن المتهم من الدفاع عن نفسه وبإبداء رأيه، بل ان المشرع المغربي ذهب الى ابعد من ذلك، فقد اعطى للمتهم مناقشة الشهود بعد اداء شهادتهم وتجريحهم قبل اداء الشهادة أعطاه الحق في مناقشة جميع الوثائق التي تقدم للمحكمة فقد نص الفصل 480 من قانون المسطرة الجنائية على انه " خلال أداء الشهادات او عقبها يعرض الرئيس على المتهم جميع حجج الاثبات ويسأله حول اعترافه بها" والفصل 470 من نفس القانون نص في فقرته الثانية على انه " لا يمكن ان تحتوي هذه القائمة " قائمة الشهود" الا على الشهود الذين بلغت أسماؤهم ومهمتهم ومحلات إقامتهم قبل الجلسة باربع وعشرين ساعة على الاقل للمتهم اذا تم استدعاؤهم بطلب من النيابة العامة او المطالب بالحق المدني، كما اعطاه الحق في ان يعرض عن الاستماع الى الشاهد الذي لم يعين او يذكر بوضوح في صك التبليغ".هذا فيما يخص المحكمة لكن ما هي الضمانات التي يكفلها المشرع المغربي للمتهم عند استنطاقه أي عند الضابطة القضائية والتحقيق والنيابة العامة من الرجوع الى الفصل 69 من قانون المسطرة الجنائية نجد ان المشرع يوجب على ضابط الشرطة القضائية لما يقوم باستنطاق المتهم ان يضمن هذا الاستنطاق. في محضر وان يحدد فيه ساعة ويوم وضع المتهم تحت الحراسة المنظورة، ويوم وساعة إطلاق سراحه او تقديمه الى النيابة العامة كما أوجب على الضابط ان يطلب من المتهم المستجوب الامضاء على المحضر بعد تلاوته عليه من طرفه وان امتنع يشير الى هذا الامتناع كما أوجب على أي ضابط الشرطة القضائية بتسجيل تضمين مماثل في كناش خاص مرقم الصفحات وممضى عليه من طرف السلطة القضائية. وأوجب الفصل على كل مركز للشرطة او الدرك ان يتوفر على هذا الدفتر كما منع على ضباط الشرطة القضائية دركا كانوا او شرطة او خليفة او قائدا او باشا، ان لا يحتجزوا شخصا اكثر من الوقت القانوني المحدد في الفصل 87 من قانون المسطرة الجنائية الا باذن كتابي لوكيل الملك ولمدة لا تزيد عن 48 ساعة والا كان تحت طائلة الفصل225 من القانون الجنائي، واذا كان العمل التحكمي او الماس بالحرية قد ارتكبه او أمر به لغرض ذاتي او بقصد إرضاء شخصيته، وقع الفاعل تحت طائلة الفصول 436 الى 440 من نفس القانون، والفصول المشار اليها تصل العقوبة المقررة فيها الى الاعدام، إذا وقع تعذيب بدني على المحبوس او المحجوز ( الفصل 439 من القانون الجنائي). أما عند قاض التحقيق، فان القانون لم يحدد عدد المرات التي يستنطق فيها المتهم من طرفه، وان جرت العادة على استنطاقه مرتين، الاولى عندما يقدم الى التحقيق ويسمى الاستنطاق الابتدائي وقد نص عليه الفصل127 من قانون المسطرة الجنائية اذ جاء فيه " يتعين على قاضي التحقيق ان يثبت من هوية المتهم عندما يحضر لأول مرة وذلك لبيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه وسنه وقبيلته الاصلية وحالته ومهنته وإقامته الحالية وسوابقه القضائية ويأمر قاضي التحقيق عند الاقتضاء بالقيام بكل الاجراءات الصالحة للتحقق من هذه الهوية. ويحيط قاضي التحقيق بوجه صريح المتهم بالافعال المنسوبة اليه ويشعره بانه حر في عدم الادلاء بأي تصريح ينص على هذا الاشعار في المحضر واذا رغب المتهم في الإدلاء بتصريحاته يتعين على قاضي التحقيق ان يتلقاها منه بدون تأخير".فالمشرع اذن قصد من الاستنطاق الابتدائي اشعار المتهم بانه لم يبق تحت سلطة الشرطة القضائية وانما اصبح تحت نظر المحكمة. وهناك الاستنطاق التفصيلي او الاستنطاق الذي يباشره قاض التحقيق مع المتهم بعد الاستنطاق الابتدائي، بمدة لم يحددها القانون، وانما تركها لقاضي التحقيق حسب أهمية القضية وكثرة القضايا. وفي الاستنطاق التفصيلي يبسط المتهم ظروف القضية وملابستها ويسأله القاضي بتفصيل فقد يقابله مع الشهود او الضحايا او متهمين آخرين مساهمين او مشاركين في نفس الجريمة الا ان المشرع المغربي اوجب على قاضي التحقيق الا يستنطق المتهم تفصيليا الا بحضور محاميه او اذا تنازل عن هذا الحق، فالفصل 132 من قانون المسطرة الجنائية نص على انه ( لا يجوز استنطاق المتهم والاستماع الى المطالب بالحق المدني او مقابلتهما الا بمحضر محاميهما او استدعائهما بوجه قانوني اللهم الا اذا تنازلا بوجه صريح عن حضور المحامين) واذا لم يقم المتهم محاميا اخبر قاضي التحقيق بذلك وعين له محاميا اخر. من النصوص السابقة يتبين ان المشرع المغربي أعطى للمتهم ضمانات كافية لوقايته وحمايته من أي ضغط او تعسف.
قيمة الاعتراف الإثباتية :
ان الاعتراف باعتباره وسيلة من وسائل الاثبات في الميدان الجنائي يخضع لما تخضع له هذه الوسائل من مناقشة وتقدير ومقارنة وهو نوعان اعتراف قضائي وغير قضائي. فالاعتراف القضائي هو الذي يصدر عن المتهم في مجلس القضاء حتى ولو كان امام قاضي غير مختص بالنظر في القضية ( الفصل 405 من قانون العقود والالتزامات) والاعتراف غير القضائي هو الذي يصدر من المتهم خارج ساحة القضاء كامام الشهود او امام الشرطة. ولكن ما هي قيمة الاعتراف الصادر امام ممثل النيابة العامة هل يعد اعترافا قضائيا ام غير قضائي، الواقع ان النيابة العامة هي المقيمة للدعوى العمومية بالتالي فانها تعد طرفا في النزاع بالاضافة الى ان ممثل النيابة العامة عند استنطاقه للمتهم يتسم بصفة ضابط سام للشرطة القضائية وبذلك فان الاعتراف الصادر امامه يكون اعترافا غير قضائي، اما الاعتراف امام قاضي التحقيق فانه يعد اعترافا قضائيا، سواء في الاستنطاق الابتدائي او التفصيلي.
والاعتراف القضائي ملزم المحكمة اذ توافرت فيه الشروط الاتية :
1- ان يكون صادرا عن المتهم نفسه لا عن محاميه، او احد المتهمين الاخرين معه في نفس الجريمة لان تصريح هؤلاء لا يعد اعترافا وانما يعد شهادة لذلك فان التعبير الذي درجت عليه بعض المحاكم،" اعتراف متهم على متهم اخر" هو تعبير خاطئ، لان الاعتراف لا يصدر الا عن المتهم نفسه، اما ما عداه فان التصريحات التي تصدر عنهم تعد مجرد شهادة فقط وللمحكمة تقدير هذه الشهادة.
2- ان يكون المتهم متمعنا بكامل قواه العقلية، وان يكون مدركا لما يترتب عن هذا الاعتراف، والا يكون مكرها، ماديا او معنويا، وعلى المتهم اذا ادعى الاكراه ان يثبته.
3- ان الاعتراف صريح، ومنصب على نفس التهمة المتابعة من اجلها فإذا ما توبع المتهم بجريمة قتل ضد فلان، وسئل فأجاب بانه سرق، فان هذا لا يعد اعترفا مطابقا ولا منصبا على الجريمة المتابع من اجلها.
4- ان يكون مطابقا للواقع ومنصبا على وقائع ليست مستحيلة، والمتهم الذي يعترف بانه قتل الضحية ثم تبين قبل انتهاء المحاكمة ان الضحية لا زال حيا يرزق، والمتهم الذي اعترف بانه اغتصب الضحية وافتض بكارتها ثم تبين من الكشف الطبي الذي اجرى عليها انها لا زالت بكرا، باعتبار ان الافتضاض يكون ظرف تشديد فقط ( الفصل 488 من القانون الجنائي ). فاذا توفرت الشروط في الاعتراف القضائي كانت المحكمة ملزمة بالاخذ به.شهادة متهم على متهم آخر : سبق ان قلنا بان الاعتراف يجب ان يصدر عن المتهم نفسه، اما اذا صدر عن متهم اخر ولو في نفس التهمة، فانه يعد مجرد شهادة فقط، فاذا اتهم شخص مثلا او اكثر في جريمة واحدة، وانكر احدهم ان يكون قد قام بالفعل المنسوب اليه، بينما اعترف احدهم بانه قام هو والمتهم الاخر بارتكاب الفعل، فان هذا الاعتراف يعد اعترافا بالنسبة للمعترف فقط، اما بالنسبة للاخر فانه يعد مجرد شهادة، وللمحكمة ان تاخذ بها او لا تاخذ بها، ولكن في الواقع فان هذا التصريح لا يرقى الى درجة الشهادة، لان الشاهد يجب ان يؤدي اليمين القانونية وان تتاكد المحكمة من سلوكه وعدم سوابقه وعداوته للمتهم، ولكن ليس هناك ما يمنع المحكمة من تكوين قناعتها من هذه الشهادة او هذا التصريح، ما دامت هناك قرائن اخرى تعضد هذه الشهادة. الاعتراف ورقابة المجلس