قصة الفقه
الرسول الأكرم.. الفقية الأول
والحقيقة أن قصة الفقه بدأت مع بداية الدَّعوة وبدء الرِّسالة؛ فقد نشأ الفقه في حياة الرسول r عندما كان يجيب الصحابة عمَّا يَعْرِض لهم من أسئلة؛ إذ كان هو المرجع الأوَّل للفتاوى في أحكام الفقه الإسلامي، وكان يعتمد فيما يُفتي فيه على ما يُوحَى إليه به، وعلى ما يفهمه من كتاب الله U، وعلى ما أذن الله له به من تشريع، أو اجتهاد يجتهده، فإذا كان اجتهاده مطابقًا لما هو الأكمل والأحسن في علم الله أقرَّه الله U عليه، ولم يتابِعْه فيه معدِّلاً ولا معاتبًا، وإن كان اجتهاده في القضية دون ذلك أرشده الله إلى ما هو الأهدى والأقوم والأكثر صوابًا، وربما عاتبه إذ لم يأخذ بما هو الأكمل والأحسن[1].
وقد أقرَّ الرسول r بعض أصحابه على بعض ما فهموا من كتاب الله من أحكام، وهذا يتضمَّن الإذن للمؤهَّلين منهم بفَهم الأحكام من القرآن واستنباطها، والإذن لهم باستنباط الأحكام من أقوال الرسول التي حفظوها منه، مع العمل بما جاء فيها صريحًا واضحًا لا يحتاج إلى استخراج واستنباط. وأذن الرسول r للمؤهَّلين من أصحابه بأن يجتهدوا لاستنباط الأحكام الشرعية برأيهم، قياسًا على الأشباه والنظائر، أو استبصارًا بمقاصد الشريعة وأحكامها كلما اضطرهم الأمر إلى الاجتهاد؛ إذ قد يكونون بعيدين عنه ولا يستطيعون التريُّث لمعرفة الحكم منه مباشرة، ويضاف إلى هذا تدريبهم على الاجتهاد، واستعمال ما لديهم من قدرات الفهم واستنباط الإحكام، وكان الرسول r يصوِّب من أصاب باجتهاده من أصحابه، ويردُّ مَن أخطأ إلى وجه الصواب، إذ كانوا يعرضون عليه فتاواهم أو تصرفاتهم التي اعتمدوا فيها على اجتهاداتهم الخاصَّة بعد مرور الحوادث التي اجتهدوا فيها، وقد برزت طائفة من أصحاب الرسول r في علوم الدين وحفظ مسائله، وفي فهم نصوص القرآن والسُّنَّة، وفي معرفة مقاصد الشريعة، وفي استنباط الأحكام الفقهية، وأثنى الرسول r على بعضهم في حياته[2].
وقد بات التشريع في حياة رسول الله r هو الأصل الذي غدا كل فقيهٍ أتى بعد زمنه r يُصرِّح بأنه مستندٌ إليه؛ حيث يعتمد الفقه على الوحي النازل من عند الله تعالى[3].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني: الحضارة الإسلامية ص506.
[2] المصدر السابق، ص506، 507.
[3] كرم حلمي فرحات: التراث العلمي للحضارة الإسلامية في الشام والعراق خلال القرن الرابع عشر الهجري، ص233.