الإسلام والصحة النفسية
والإسلام لم يهتم فقط بصحة الجسد بل اهتم كذلك بصحة النفس.. فأمر بذكر الله عز وجل، وجعل ذلك اطمئنانًا للقلب؛ فقال سبحانه وتعالى: [ألا بذكر الله تطمئن القلوب]، وحض المسلمين على الرفق والرحمة وحسن الخُلق ولين الجانب وطيب الكلام، وجعل في التبسم صدقة، وجعل في أدب المعاملات أجرًا، وشجع المسلمين على نسيان أخطاء الغير وعلى العفو والمغفرة، وعظم لهم قيمة الرضا بما قسم الله عز وجل، وجعل لهم الجنة عوضًا عما أصابهم من مصائب إذا صبروا عليها..
ولا شك أن كل هذا يصب في صحة نفسية جيدة، ويسمو بالروح ويطمْئِن القلب، ويرتفع بأخلاق المسلم وقيمه وأهدافه إلى درجات راقية لا يتخيلها غير المسلم، ولا شك أن معدل الأمراض النفسية من قلق واضطراب واكتئاب أعلى بكثير في بلاد الغرب منها في بلاد المسلمين، وليس أدل على ذلك من مراجعة نسب الانتحار هنا وهناك لتعلم قيمة الإسلام..
وانطلاقًا من حفاظ الإسلام على صحة الفرد والمجتمع، فإن الإسلام لم يحض فقط على الاهتمام بالجسد والنفس بل اهتم كذلك بما يُلبس من ثياب.. فالثياب النظيفة الجميلة تعود بالفائدة على صاحبها وعلى من يعيشون إلى جواره.. بل على من يراه وإن كان لا يعرفه..
ففي أول ما نزل من القرآن نجد قول الله عز وجل: [وثيابك فطهر] ، وما أروع أن يكون اهتمام الإسلام من أول يوم نزل فيه للبشر بظاهرهم كما يهتم بباطنهم، فهو يقرن التوحيد بنظافة الإنسان فيقول: [وربك فكبر، وثيابك فطهر]، واللفظ يحتمل ظاهر المعنى، وإن كانت له تأويلات أخرى..
كما أن التشريع الإسلامي عد الثوب نجسًا بمجرد وصول شيء من النجاسة إليه كالبول والغائط والدم، ولا تصح الصلاة فيه إلا أن تزول النجاسة، حتى لو كانت النجاسة قليلة، قال أحمد بن حنبل رحمه الله عن الثوب الذي أصابه بول أو غائط: يعيد الصلاة من قليله وكثيره، أي من قليل النجاسة أو كثيرها.. كذلك ينجس الماء إذا وقع فيه من النجاسة ما يغير لونه أو طعمه أو رائحته.. وكل ذلك يهدف إلى عدم استعمال شيء وصل إليه قذر أو وسخ..
ولا يهتم المسلم فقط بنظافة نفسه وثيابه، بل يجب أن يهتم بنظافة البيئة التي حوله.. وهذا موضوع كبير ويحتاج إلى تفصيل، وسنفرد له إن شاء الله مقالاً خاصًا..
وإذا كان عطاء الإسلام فيما يخص الوقاية من الأمراض على هذا النحو من الرقي فإنه لا يقف عاجزًا أمام الأمراض إذا حدثت.. فلا يكتفي فقط بالأمر بالتداوي، ولكن يحض ـ وبشدة ـ على منع انتشار الأمراض في المجتمع، وإن المرء ليقف مبهورًا أمام عظمة التوجيه النبوي الذي يحدُّ من انتشار الأمراض في المجتمع حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: لا يوردن ممرِضٌ على مُصِحٍّ، فهو بذلك يوضح لك أبسط وسائل الوقاية من الأمراض - وأنجحها في ذات الوقت -، وهذا كله منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام!!
ثم هو يختار أمراضًا خطيرة بعينها ـ علم الآن على وجه اليقين أنها تنتقل بالعدوى ـ ويحذر منها تحذيرًا بيّنًا ظاهرًا لا يحتمل التأويل؛ فيقول مثلاً في أمر مرض الجذام الخطير، كما جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فر من المجذوم فرارك من الأسد..
ثم هو يضع أعظم قواعد الحجر الصحي بالنسبة للأوبئة الخطيرة كالطاعون.. وذلك كما روى مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث عن الطاعون فقال: إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوه..
وهذا هو قمة ما وصل إليه الطب الحديث في محاولة الحد من انتشار الأوبئة الخطيرة كالطاعون..