الدكتور عادل عامر المدير العام
عدد الرسائل : 1585 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 23/01/2009
| موضوع: بحث فى تاريخ القانون الأحد مارس 01, 2009 9:55 pm | |
| بحث فى تاريخ القانون
لنراجع تاريخ القانون دعوة لإعادة النظر في بعض الموضوعات مقدمةالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ومن سار على نهجه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فلا أحب للإنسان من أن يرى جموعا من البشر ينقادون إلى العلم حبا ورغبة، ويتخذون من المنهج العلمي سبيلا ود يدنا، يذودون عن الحق مدافعين، ويقفون عند الخطأ معترفين، يبحثون عن الحقيقة، لا يثنيهم عن ذلك ما كانوا عليه من هوى متحكم ولا عزة هوجاء قولتهم: حيث كان الحق والحق نكون . ولعله من أولويات المنهج العلمي القويم القدرة على نقد الذات، والاعتراف بالخطأ، فالفكر الإنساني _ باعتباره ثمرة العقل _ لا يتمتع بعصمة النصوص الإلهية إلا بمقدار ما يتضمنه من حقائق، وليس لأحد حق وضع نص بشري المنشأ موضع القداسة مهما شرف قدر واضعه . فالبشر بحكم طبيعتهم يحكمون على الأشياء بما يتفق وذاتية تفكيرهم، ولكون الأفكار تتباين فالأحكام _ تبعا لذلك _ تتناقض أو لا تلتقي حول مسار واحد . وينبغي أن يكون غاية ما يقوله الإنسان قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب . ولقد ذهب أبو حنيفة النعمان _ رحمه الله - ابعد من ذلك حينما سئل عن مسألة اجتهد فيها :" أهذا الرأي الذي ارتأيته، هو الحق الذي لا باطل معه ؟ فقال: لعله الباطل الذي لا حق معه . " فينبغي أن نقوم أنفسنا، وأن نعترف بالخطأ في مواضع الخطأ، ولا ضير من الرجوع إلى الحق . ومن سمات المنهج العلمي أن نحترم رأي الآخرين، ونناقشه بالحجة، وان نلتمس له المعاذير إن كان له مندوحة من نقل أو عقل بصرف النظر عن مصدر القول، وينبغي الوقوف بشدة وحزم أمام ذلك التيار الذي لا يقبل الحق لأنه حق، ولكن يقبله باعتبار مصدره فإن قال القول من يحترمه ويجله أو يدافع عنه أو يخشى بطشه قبله، وإذا جاء القول ممن يخالفه أو يبغضه أو يزدريه تكلف تأويله أو إضعافه أو الانتقاص من قيمته . وتلك آفة يمجها التفكير السليم، ولا يقبلها المنهج العلمي القويم. إن العقل يدعو إلى وجوب الاستفادة من كل تراث إنساني تكّون نتيجة التواصل الحضاري، والحضارة ارث إنساني مشترك، ولكن ينبغي مراعاة مقتضيات الحضارة وأهوائها. فمع مقتضيات الحضارة ينبغي أن تتفتح العقول .. ومع أهواء الحضارة يجب أن تنفطم النفوس . فالهوى يحتاج إلى فطام النفس، والمقتضى يستدعي انفتاح العقل . والفكر الإنساني فكر تراكمي، يضيف المتأخرون إليه ما اكتسبوه دون الوقوف عند الموروث عن السابقين، وفي هذا المعنى نقل عن ابن عبد البر: " ليس من شيء اضر على العلم من قولهم: ما ترك الأول للآخر ؟ بل الصواب هو القول: كم ترك الأول للآخر؟ وليس اضر على .العلم والفكر من مقولة شاعت وجمدت بها العقول، وحالت دون وثبات الفكر من قولهم: " ليس في الإمكان أبدع مما كان "، ولقد روى عن ابن مالك قوله: " إذا كانت العلوم منحا إلاهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين".ولقد شد انتباهي أن بعض العلوم التي تدرس في كليات القانون بالدول العربية والإسلامية ومن ذلك تاريخ القانون، تنافي في بعض مواضيعها فكر الأمة وثقافتها السائدة، وتغرس في النشء أفكارا علمانية غريبة وإلحادا مارقا بواحا، ولقد رأيت أن مرد ذلك إلى أمرين: أولاهما: الترجمة الحرفية لمناهج ومفردات الدول الغربية التي نقل عنها بعض الكتاب العرب في نهاية القرن التاسع عشر وبواكير القرن العشرين دون تمحيص وكأنهم ينقلون نصوصا مقدسة لا يجانبها الصواب . والآخر: غلبة النـزعة المادية، والرغبة في ربط العلوم كافة بالأفكار العلمانية، والبعد عن التفسير الروحي لبعض الظواهر الاجتماعية . وإغفال البواعث التي كانت وراء النـزعة العلمانية عند كتاب الغرب. ولقد ترتب على هذا المنهج في التأليف والنقل أن وجدت جوانب من تاريخ القانون لا تستقيم مع فكر الأمة وثقافتها من جهة، ومن جهة أخرى، أغفل الباحثون جانبا هاما وأساسيا في تاريخ قانون الدول الإسلامية وهو إقصاء الشريعة وإحلال القوانين الوضعية محلها على ما لهذا الموضوع من أهمية بالغة. الأمر الذي يجعل هذا العلم لا يعكس بحق تاريخ القانون في هذه الدول، فالطالب العربي في دراسته لتاريخ القانون إنما يدرس تاريخ القانون في الدول الغربية ومن وجهة نظر غربية . وهذا البحث إنما هو دعوة لإعادة صياغة علم تاريخ القانون بما يتفق مع فكر الأمة وعقيدتها، وبيان كيف ابتعدت عن شرعها. وللدلالة على صحة وصدق هذه الدعوة سأحاول في مطلبين إبراز مثالين أولهما: يجسد مخالفة بعض موضوعات هذا العلم لفكر الأمة، والآخر يبين كيف انسلخت الأمة عن شرعها . ولقد أردته دعوة لأساتذة القانون ممن يعنون بأمر هذه المادة إلى إعادة النظر فيها، وتمحيصها، لعله يستبين لهم الحق ويظهر الصواب، وربما تجد من يعيرها بعض اهتمامه فيوأزرها بالنظر والمداد، وربما تتحول إلى صرخة في واد، إن ذهبت مع الريح اليوم، فقد تذهب يوما بالأوتاد . المطلب الأول نماذج من الموضوعات المنافية لفكر الأمة وثقافتها لا شك أن حصر جميع الموضوعات ذات العلاقة بفكر الأمة وثقافتها وعقيدتها أمر شاق، ولا تستدعيه هذه الدراسة التي تستهدف إثارة الفكرة دون الخوض في تفاصيلها، ولذلك سيقتصر الحديث على بعض الجوانب بالقدر الذي يكفل تبيان الأساس الذي يقوم عليه البحث. أولا: نشأة القانون: إن الحديث عن نشأة القانون ينبغي أن يكون مبنيا على المعرفة الصادقة الموثقة لتاريخ الإنسان واصله، وعلى الأدوار التي مرّ بها منذ وجد على الأرض . ومن الواضح أن هناك جوانب كثيرة من هذه المعرفة متعذرة أحيانا، وعسيرة المنال في أحيان أخرى . فاصل نشأة البشرية - لمن لا يؤمن بالكتب المنزلة - يكاد يكون مجهولا، أو مبنيا على خرافات لا تستقيم مع العقل، وبحوث هؤلاء تقوم على فرضيات تخمينية ونظريات عقلية وما ترأى لهم من أثار الماضي السحيق، رغم أن تلك الآثار لا تكشف بذاتها عن الحقيقة. فالعلماء والباحثون .لم يجدوا أثارا مدونة عن الماضي، بل يؤكدون أن الكتابة لم تبدأ إلاّ منذ ستة أو سبعة آلاف سنة بالنسبة لشعوب البحر الأبيض المتوسط، أما شعوب غرب أوروبا فلم يعرفوا الكتابة إلاّ منذ حوالي ثلاثة أو أربعة آلاف عام . | |
|