تاريخ النظم القانونية
الدكتور عادل عامر
تمهيد :
التعريف بمادة تاريخ النظم القانونية والموضوعات التى تهتم ببحثها، ومنهج الدراسة المتبع ، كيف وأنه يشتمل على جزئين:
الجزء الأول :
وهو تكوين الشرائع القانونية وتطورها و ينقسم الى قسمين:-
القسم الأول : يتناول مراحل نشأة القاعدة القانونية ، فيظهر المراحل التى مرت بها القاعدة القانونية فى نشأتها وتطورها حتى وصلت الى الصورة التى عليها الآن، والنظم القانونية التى كانت مطبقة فى كل مرحلة من هذه المراحل.
القسم الثاني : يتناول تطور القاعدة القانونية فيعكس مراحل تطور القانون ووسائل تطويره.
الجزء الثاني : هو الشرائع السامية ، فيتناول أهم الشرائع القانونية القديمة التى شهدها الوطن العربي قبل الإسلام وهى القانون الفرعوني والقانوني البابلي والشريعة اليهودية. فيتناول خصائص كل شريعة من هذه الشرائع، ودراسة نظم القانون العام "نظم الحكم والإدارة – نظام القضاء، نظام العقوبات "، ونظم القانون الخاص "الشخصية القانونية- نظام الأسرة - نظام الالتزامات".
مقدمة : - تظهــر:-
(1) أهمية القانون فى المجتمع والتلازم بينهما.
(2) أهمية تطور القانون مع تطور المجتمع.
(3) القانون مرآة تعكس حضارة مجتمع معين فى زمن معين.
نبدأ الدراسة بالجزء الأول : وهو تكوين الشرائع القانونية وتطورها ونبدأ بالقسم الأول وهو مراحل نشأة القاعدة القانونية:
أولا : المراحل التى مرت بها القاعدة القانونية فى نشأتها : - يقسم علماء القانون مراحل نشأته بالنظر الى مصادر القاعدة القانونية وأهمية كل مصدر الى عدة عصور هي:-
(1) عهد القوة " الانتقام الفردي أو القضاء الخاص: وأهم ملامح هذه المرحلة أن حفظ النظام فى المجتمع كان يعتمد على القوة ، فلم يوجد قانون بالمعنى المفهوم لنا الآن. بل مجموعة تقاليد غريزية أو مجرد إحساس وشعور بوجود حقوق وواجبات للناس، والمظهر الخارجي لهذا الإحساس وتلك التقاليد هو استعمال القوة، وارتبطت هذه الملامح بطبيعة حياة الإنسان فى هذه المرحلة حيث عدم الاستقرار والاعتماد على الصيد والصراع مع الطبيعة.
(2) عهد التقاليد الدينية (الوحي الإلهي) : وهذا العهد ظهرت القواعد القانونية فى صورة أحكام إلهية، إذ كان الدين والوحي الإلهي هو المصدر الوحيد الذي تستمد منه القاعدة القانونية مما جعل لرجل الدين السلطان الأول فى المجتمع، وظهر القانون على هذه الصورة بعد أن عرف الإنسان الاستقرار واعتمد على الزراعة فى حياته.
(3) عهد التقاليد العرفية: وفى هذه المرحلة انفصل القانون عن الدين وصار العرف هو المصدر الرئيسي للقاعدة القانونية ثم وجدت بجانبه مصادر أخرى كالفقه والتشريع.
(4) التدوين: وترتبط هذه المرحلة باهتداء الإنسان إلى الكتابة فاتجهت بعض المجتمعات إلى تدوين قانونها ونشره بين الناس أما فى صورة مدونات قانونية يصدرها المشرع وتتضمن كل أو بعض ما ساد لدى الشعب من تقاليد عرفية وما أدخله المشرع من تعديلات إذ أصبح مصدر القانون هو التشريع، أما أن تكون المدونات في صورة سجلات عرفية تدون من قبل الأفراد المتخصصون فى شرح القانون، مع التأكيد فى هذا المقام أنه على رغم أهمية مرحلة التدوين إلا أن التدوين لا يعد مرحلة جديدة فى نشأة القاعدة القانونية وإنما كان بمثابة تسجيل لما كان قائم ومطبق من التقاليد العرفية والدينية.
ثانيا: شرح للأنظمة القانونية التى سادت فى كل مرحلة من مراحل التطور السابق ذكرها:
المرحلة الأولى : مرحلة القوة أو الانتقام الفردي
وتتناول معالم بعض النظم القانونية التى سادت فى هذه المرحلة وهى نظام ( الأسرة – نظام الملكية – نظام الحكم – نظام العقوبات).
(1) نظام الأسرة :
ويشمل ( الزواج – الطلاق – الإرث )
( أ ) الزواج : تعددت صور علاقة الرجل بالمرأة ومن أبرز صورها الزواج ( زواج الخطف أو الأسر – زواج الشغار – زواج التراضي – الأخدان).
موانع الزواج : اختلف نطاقها من جماعة إلى أخرى وكانت تعتبر من القواعد الماسة بكيان الجماعة بحيث يعاقب من يخرج عليها بأقصى العقوبات.
آثار الزواج : اختلفت حسب سيادة نظام الأسرة الأمية أو الأبوية، ففي الأسرة الأمية ينسب الأولاد إلى الأم وأقاربها ويعتبر الأب أجنبياً عن أولاده، أما فى الأسرة الأبوية فينسب الأولاد إلى الأب وتعيش الزوجة مع عشيرة الأب.
(ب) الطلاق : كانت حالات الطلاق قليلة الوقوع واختلفت الجماعات فى تنظيمه.
(جـ) الإرث : نظراً لقلة الأموال المملوكة ملكية فردية وقتئذ فلم يكن لنظام الإرث أهمية، واختلفت قواعده حسب نظام الأسرة السائد أبويه أم أموية.
(2) نظام الملكية :
لم تعرف الجماعات فى هذه المرحلة مدلول الملكية بمعناه الحالي.
فكانت عندهم لا تعني سوى الحيازة، واقتصرت الملكية عندهم على المنقولات أما الأرض فكانت ملكاً للجميع وتستغل لصالح الجميع.
(3) نظام العقوبات :
كان الانتقام الفردي وسيلة العقاب السائدة واختلف تطبيقه تبعاً لنوع الجريمة كما يلي:-
( أ ) داخل الجماعة : كان يميز بين الجرائم العامة التى تمس كيان الجماعة وتهدد أمنها كالخروج على تقاليدها ، فتوقع أقصى العقوبات كالإعدام أو النفي وتطبق العقوبة بواسطة شيوخ الجماعة ورؤسائها.
والجرائم الخاصة التى تمس بمصالح الأفراد ، ويترك للمعتدي عليه فيها تقدير ما إذا كان الفعل يستلزم العقاب أم لا وكذلك تقدير نوع العقاب وتوقعيه بنفسه على الجاني.
(ب) خارج الجماعة: إذ كان يمثل الاعتداء على أحد أفراد الجماعة من قبل من ينتمي لجماعة أخرى اعتداء على الجماعة كلها وتنشأ المسئولية التضامنية فى حق جميع أفراد الجماعة التى ينتمي إليها الجاني دون أن تنحصر دائرة الانتقام فى شخص معين أو مال بذاته.
* حلول التصالح محل القوة : مع تطور ظروف الحياة حل التصالح محل القوة غير أن التصالح ظل رهيناً بقبول المتنازعين له.
* أهم صور التصالح :
(1) التحكيم : وتختار هيئة المحكمين من شيوخ القبائل وغالباً يلجأ إليه عندما يكون الخصوم من قبيلتين مختلفتين، وقرار المحكمين له إلزام أدبي.
(2) خلع الجاني : وصورته أن تقطع الجماعة صلتها بالجاني وتطرده ويصير مهدر الدم.
(3) تسليم الجاني: وصورته أن يقوم أهل الجاني بتسليمه لأهل المجني عليه ويعرف (بالتخلي عن مصدر الضرر).
(4) القصاص : وهو إنزال عقوبة بالفاعل تماثل ما ارتكبه من أفعال ويقوم به فى أهل المجني عليه ، سن بسن وعين بعين.
(5) الدية : هى تعويض مادي يدفعه الجاني وأهله للمجني عليه وأهله بهدف افتداء الجاني نفسه وتعويض المجني عليه عما لحقه وأهله من ضرر وتهدئة لخواطرهم، وكانت فى بداية الأمر اختيارية ثم صارت إجبارية.
* طرق الإثبات : إثبات ارتكاب المتهم للجريمة المنسوبة إليه يحكمها حالتان:-
أن يعترف أو يقر المتهم بالفعل المنسوب إليه فيلجأ إلى إحدى صور التصالح.
أن ينكر المتهم الفعل فيتم اللجوء إلى عدة طرق لإثبات التهمة أو نفيها كتحليف اليمين أو المحنة أو الاحتكام إلى المصادفة كمراقبة اتجاه الطيور. - ظاهرة القوة تنشأ الحق وتحميه : ويقصد بهذه الظاهرة أنه إذا ادعى شخص حقاً قبل الغير استوفاه بنفسه وتحمل عبء الدفاع عنه واستعماله والاحتفاظ به وتتوقف قدرته على استيفاء حقه واستعماله والمحافظة عليه على قوة دفاعه عنه ضد من ينازعه عليه.
- ويرجع السبب فى هذه الظاهرة إلى سيادة لغة القوة فى المجتمع.
- وقد وصل المجتمع إلى هذه المرحلة نظراً لعدم وجود سلطة سياسية تتمتع بسيادته تفرض بمقتضاها نظاماً للحياة يكفل حماية المصالح وتنظيم العلاقات.