منتدي الثقافة القانونية
منتدي الثقافة القانونية
منتدي الثقافة القانونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدي الثقافة القانونية

ليس عليك ان يقتنع الناس برأيك الحق ولكن عليك ان تقول للناس ما تعتقد أنه حق
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الدكتور عادل عامر
المدير العام
الدكتور عادل عامر


ذكر
عدد الرسائل : 1585
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 23/01/2009

العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان Empty
مُساهمةموضوع: العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان   العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان I_icon_minitimeالخميس أبريل 23, 2009 9:42 pm

العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان
الدكتور عادل عامر
ما كان للبشرية أن تقف من القرآن الكريم ومن الإسلام هذا الموقف، وما كان يصح منها أن تظل هكذا في ريبة وشك؛ ذلك لأن القرآن الكريم كلام الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأن الإسلام منهج الله الذي فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، وفيه أعظم ضمان لحقوق الإنسان في كل زمان ومكان. وما كان ينبغي للناس ـ إذ جاءهم من ربهم الهدى ـ إلا أن يتلقوه مطمئنة به نفوسهم، واثقة به قلوبهم، ثم يطبقوه في واقع حياتهم، ليخرجوا من الضيق والعنت والتيه والضلال، إلى حيث يدركون أمنهم وسلامتهم واستقرارهم وطمأنينة قلوبهم، ثم سعادتهم الأبدية يوم أن يرد الخلق إلى بارئهم. ولكن أعداء الإنسانية أبوا إلا أن يحولوا بينها وبين منهج الله الذي يحقق للناس إنسانيتهم، ويحقق لهم كذلك عبوديتهم لربهم عز وجل؛ لذلك ما فتئوا يثيرون الشبهات تلو الشبهات حول القرآن والسنة وحول الإسلام والمسلمين. وكانت شبهة الحدود إحدى الشبهات التي أُثيرت حول القرآن الكريم وحول الشريعة الإسلامية، قالوا: إن الحدود التي شرعها القرآن كحد الجلد للقاذف والزاني، وحد قطع اليد للسارق، والقصاص من القاتل عمدًا وغير ذلك ـ قالوا إن هذه الحدود منافية لحقوق الإنسان؛ إذ أن فيها امتهان لكرامة الإنسان، وتعذيب وقسوة في العقوبة، وتعطيل للطاقات البشرية، وغير ذلك مما يتنافى مع حقوق الإنسان. وقبل أن أجيب على هذه الشبهة، أحب أن أسائل الذين يروجون الأكاذيب والأباطيل، ويمارسون دور التخذيل عن الإسلام والصد عن سبيل الله، ويقفون بما لفقوه من طعون، وبما افتروه من شبهات، وبما اختلقوه من أضاليل وأباطيل، يقفون للبشرية بكل سبيل؛ لئلا تصل إلى هذا الدين الحق ولا يصل إليها، أسائل هؤلاء: أي إنسان تقصدون؟! أهو الإنسان الذي أُهدرت إنسانيته، ووُطئت كرامته في "أبو غريب" وجوانتانامو؟! أم هو الإنسان الذي يُختطف من أي مكان في العالم، بلا أدنى تهمة إلا مجرد الاشتباه، وبلا أدنى ضمانات أو حقوق، ثم يتم تسفيره إلى حيث لا يعلم أحد عنه شيئًا، ولا يعرف هو عن نفسه شيئًا، وإلى حيث يفقد كرامته وآدميته في سجون سرية، ثم إن عاش بعدها ففي أقفاص للحيوانات البشرية في جوانتانامو؟! عن أي إنسان يتحدثون، وبأي حقوق يتشدقون، ومن أي منطلق ينطلقون؟ أعن الإنسان في الأرض كلها يتحدثون؟ أم عن الإنسان الغربي يدافعون، وله يتحمسون؟ فإن كانت الأولى؛ فليبحثوا عن الإنسان في "أبو غريب" وجوانتانامو، فإن لم يجدوه فلينقبوا عنه في باطن الأرض في السجون السرية، وإن كانت الثانية؛ قلنا لهم: قد صدقتم في دفاعكم عن قومكم، أما الإنسانية فدعوها وشأنها. وعن أي حق من حقوق الإنسان يبحثون ـ إذ ينكرون على القرآن تشريع الحدود ـ أعن حقه في هتك الأعراض، وانتهاب الأموال، وترويع الآمنين، وخلخلة المجتمع، وإشاعة الذعر فيه؟ ما هذه الشفقة الكاذبة على الإجرام والمجرمين؟ وما هذه الرحمة المنتحلة التي تريد أن تتستر على "المافيا"؟! وما هو المنطلق؟ أهو مجرد الصد عن سبيل الله وتشويه الإسلام لئلا يصل إلى الأنام؟ أم هو الحب للجريمة والهيام بالمجرمين؟ أم هما معًا؟ إن الإسلام دين الله، وإن القرآن الكريم كلام الله، وإن الشريعة الإسلامية منهج الله، وإن الحدود حق وعدل وحكمة ومصلحة ورحمة ورأفة، وإن المجتمع البشري لفي مسيس الحاجة إلى أن يستظل بظل الشريعة الغراء بما فيها الحدود؛ ليخرج من ليل الإجرام الذي لف الكرة الأرضية كلها، ولينعم الناس بالأمن على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وقبل ذلك على دينهم. أما أن الحدود تنافي حقوق الإنسان؛ فلا ثم لا، إلا إذا كنا نعني بحقوق الإنسان: حقوق المجرمين في التمادي في الإجرام، وفي ممارسة الجريمة وتطويرها بارتياح وبلا إزعاج، وفي سلب الأموال، ووطء الأعراض، وإزهاق الأنفس، وتمزيق المجتمع البشري. ولكي تتجلى لنا هذه الحقيقة ـ حقيقة أن الحدود في الإسلام لا تنافي حقوق الإنسان، بل تصونها وتحافظ عليها ـ علينا أن نتدبر النقاط التالية: أولًا: الشريعة الإسلامية نظام شامل متكامل، والإسلام كلٌ لا يتجزأ، ومن الخطأ أن نجتزئ منه فرعًا، ثم ننظر فيه بمفرده دون النظر إلى باقي الأفرع وإلى الشجرة كلها، والاجتزاء من الكل الكامل المتماسك الذي لا يقبل التجزئة هو عين الإخلال، وسبب الضلال، وهو المدخل الذي انزلقت منه الخدعة إلى قلوب الجماهير، الذين إن سمعوا عن الحدود؛ تصوروا ـ بسبب الاجتزاء ـ أن نصف الشعب سيذهبون ضحايا إقامة الحدود، وسوف يمتلئ الشارع بالمجلودين والمرجومين ومقطوعي الأيدي. كلا، ليست الصورة هكذا، إن المحدودين في العهد النبوي وفي عهد الخلافة الراشدة لم يجاوزوا أصابع اليد الواحدة، وفي تاريخ الإسلام كانوا من الندرة بمكان، وفي بعض النظم القليلة التي طبقت الحدود في الحياة المعاصرة لم يكونوا كثرة تلفت النظر أو تسترعي الانتباه، ولو طُبق الإسلام ـ كلًّا لا جزءًا ـ فلن يكون عدد المحدودين في العالم إلا نسبة ضئيلة، كنسبة الملح للطعام. لماذا؟ لأن تطبيق الإسلام كنظام حياة متكامل وشامل؛ يضيق نطاق الجريمة، ويقضي على أغلب أسبابها ودواعيها وبواعثها، ويطوي الأرض من تحتها لتنحصر في زاوية الشواذ، الذين إن بقوا على شذوذهم دون تهذيب وتشذيب؛ فسيكونون في جسد الكيان البشري كالأظافر المتفحشة التي تضر ـ أول ما تضر ـ صاحبها. ولنضرب على ذلك مثلًا ـ وبالمثال يتضح المقال ـ بحد السرقة، فقد جاء في القرآن الكريم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، ففي هذه الآية الكريمة أمر الله تعالى بإقامة الحد على السارق بقطع يده؛ جزاءً ونكالًا ليرتدع عن ارتكاب مثلها، ولينـزجر أمثاله عن ارتكابها، وجاءت السنة لتفصل هذا الإجمال، وتوضح شروط إقامة هذا الحد. لكن الإسلام قبل أن يشرع عقوبة السارق هذه لم يدع للسارق مبررًا مقبولًا للسرقة؛ حتى إذا سرق لم يكن ذلك منه إلا استهتارًا بحرمات الناس، وشرهًا للعدوان والسطو، ومرضًا نفسيًّا واجتماعيًّا ذا خطر بالغ، ولم تكن اليد التي قابلت أيادي المجتمع الإسلامي عليها بالتنكر لفضله، والتهجم على حرمته والترويع لأمنه ـ لم تكن تستحق إلا البتر، مثلما يُبتر العضو الذي غلب عليه العطب، وخيف أن يأتي على الجسد كله بالفساد والشلل. فالإسلام ابتداءً لم يدع طاقة معطلة، ولا يدًا عاطلة، ولا فراغًا يُساء استغلاله بالطاقات المعطلة والأيدي العاطلة، وإنما سخر الطاقة البشرية في عمارة الأرض بمنهج الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الجهاد في سبيل الله، وفي العبادة والشعائر، وفي السعي والضرب في الأرض لطلب الرزق وابتغاء الفضل من الله، ومن تأمل آيات القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://adelamer.yoo7.com
الدكتور عادل عامر
المدير العام
الدكتور عادل عامر


ذكر
عدد الرسائل : 1585
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 23/01/2009

العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان   العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان I_icon_minitimeالخميس أبريل 23, 2009 9:42 pm

وجد ألفاظه تموج بالحركة في كل اتجاه، وأحس كأن آياته محركات تدفع القلوب والعقول والمشاعر والضمائر والأيدي والسواعد؛ للسعي الدءوب والعمل المتواصل، بهمة تستمد من السماء شحنتها، وفي هذا الأمر شغل للفراغ، وإفراغ للطاقات، وتضييق لمساحة الجريمة، وتوسيع لأسباب الرزق، ومن أراد الدليل على ذلك فدونه القرآن؛ فليقرأ وليتأمل. ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على الاستجابة المباشرة لدفع القرآن، فانطلقت أمة الإسلام تنفق كل طاقة لديها في كل ما يعود على البشرية كلها بالخير والنفع الدنيوي والأخروي، ولو خُلي بين الإسلام وبين النفس الإنسانية والمجتمعات الإنسانية لأعاد تركيبها تركيبًا جديدًا، ولتحركت البشرية ـ التي تأكل الآن كبدها ـ إلى كل ما فيه صلاحها، ولانتظمت في هذه الحركة "الربانية الدفع" كل الفئات، حتى لا يبقى إلا الشواذ الذين لن يكونوا في جسد البشرية إلا كشعرة سوداء في جلد ثور أبيض. وبعد ذلك نجد القرآن يحث الأغنياء على الإنفاق والإيثار؛ بأسلوب يهز القلوب ويزلزلها لتنفض الشح وتتخلى عن الإمساك، فكان ما وصفه القرآن الكريم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (Cool إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9]. ولما قامت دولة الإسلام أوجب الله تعالى الزكاة إيجابًا وفرضها فرضًا، فكانت تُؤخذ من الغني وتُرد على الفقير، وكان الغني يدفعها طيبة بها نفسه؛ لأنه تعلَّم أنها رزق الفقير، ساقه الله إليه من خلاله، فهي حقه الخالص، الذي إن منعه إياه يكون قد ظلمه وبخسه، وأُنشئ بيت المال، الذي يقوم بضمان حقوق الفقراء والمساكين وسائر المعوزين ويوصلها إليهم، فيتلقونها حقًّا لا منَّة يمتن بها أحد من الناس عليهم. ومع تقدم الدولة الإسلامية، وتعدد روافد بيت المال؛ اتسع الإنفاق، وفُرضت الأعطيات والمنح في بيت المال لجميع الطوائف، كل بحسبه، وتحقق على أكمل وجه ـ بحسب معطيات الظروف آنذاك ـ الضمان الاجتماعي لجميع المواطنين. ثم إن الإسلام ـ برغم اعترافه بالملكية الفردية الخاصة، وإعطائه الحرية الكاملة للتملك والاستثمار ـ لم يطلق العنان لهذه الملكية لتشتط وتتأله، وتصير ماردًا جبارًا يهيمن على الحياة، ويزلزل تركيبة المجتمع، ويجعل السياسة أبدًا ساجدة على أعتاب الاقتصاد، ويجعل النشاط البشري بحملته كمغزل في يد حفنة من المرابين، أو كعجلة طيعة في قبضة رجال الأعمال، إن شاءوا أداروها في اتجاه عقارب الساعة وإن شاءوا فللعكس؛ مما ينتج عنه شعور الجمهور بالضياع، وإيجاد مناخ للجريمة والانحلال، وتحريك الطمع في نفوس الأثرياء، والحسد في نفوس الفقراء، والصراع الطبقي من أجل الحياة أحيانًا، ومن أجل السبق أحيانًا أخرى، وهو المناخ الذي نمت فيه حرفة السرقة وترعرعت، حتى أصبح "مارد المافيا" هو الضد، وهو رد الفعل "لمارد الرأسمالية". لم يطلق الإسلام العنان للرأسمالية لتستعبد الناس وتولد الحقد والحسد في نفوسهم. هذه هي الضمانات التي قدمها الإسلام للأفراد، وهذه هي الأوضاع والأجواء النظيفة التي أوجدها، فلماذا إذًا يسرق السارق؟ ولماذا يعتدي على أمن مجتمع يكفله، ويحقق له الضمان الاجتماعي، ويشعر فيه الفرد بذاته وبكيانه، ولا يتحرك في صدره حسد على غني كانزٍ للمال معظِّمٍ للثراء، ولا يجد في محيطه غنيًّا إلا وهو ملتزم بما عليه، مؤدٍّ لواجباته متواضع لخلق الله؟! إن اليد التي تسرق في مجتمع تسود فيه شريعة الإسلام، وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية؛ لن تكون إلا يدًا باغية للشر والفساد، عادية على حرمات المجتمع، مستهترة بأمن الناس، حاملةً كمًّا من السموم يكفي لإعطاب جسم المجتمع كله، وإن بترها لن يكون إلا كبتر نتوء مسمم من جسد سوي متين البنيان. والسرقة هنا مثال ضربناه، وقِس على ذلك كل الحدود. ثانيًا: بالرغم من أن الحدود في ظل التطبيق الكامل للنظام الإسلامي تكون محصورة في دائرة ضيقة جدًّا ـ كما بيَّنا في البند السابق ـ فإنها لا تُطبق إلا بشروط مشددة، تجعلها في أغلب الأحوال رادعة وزاجرة باسمها أكثر منها بحقيقتها، كالسوط الذي يعلق في الجدار، إذا رآه المردة انزوى الشر في نفوسهم كما تتروى الحيات في جحورها. فحد الزنا مثلًا، لا يقوم إلا إذا شهد أربعة رجال عدول بأنهم رأوا من الزاني والزانية ما يكون بين الرجل وزوجته "عيانًا ويقينًا"، فإن شهد ثلاثة لم ينفذ الحد على المتهم بالزنا، وإنما يُجلد الثلاثة للقذف، ولا أحسب أن هذا سيتحقق إلا إذا كان الزاني والزانية يمارسان ما يمارسانه بشكل متكرر، وبصورة متبجحة أفزعت المجتمع، وجعلته يتحرك غِيرة ليستأصل الأذى المتبجح، والفساد المستهتر بالعرض والشرف. أما أن يقع الزنا زلة أو فلتة أو استراقًا من خلف ظهر المجتمع؛ فقلَّ أن يترتب عليه حد؛ لاستحالة تحقق شرط الشهود في أغلب الأحوال، ويكون حساب الزاني أو الزانية على الله عز وجل، وهما مطالبان أن يسترا على أنفسهما، وأن يتوبا إلى ربهما. وحد السرقة لا يُقام إلا بشروط، منها: ألا تقوم قرائن بأنه لم يقصد السرقة، وأن يكون المسروق محفوظًا، وأن يبلغ النصاب، وهو ربع دينار؛ أي ما يزيد على جرام ذهبًا، وألا يكون السارق جزءًا من المسروق منه، كأن يكون ابنه، وألا تقوم شبهة الاستحقاق؛ فإن قامت اندفع الحد، وبقي إثم التحايل، وألا يكون السارق قد وقع في ضرورة ألمت به. ثالثًا: بالرغم من كل ما سبق؛ فإن الإسلام قد وضع في طريق تطبيق الحدود حاجزين كبيرين، لا يتخطاهما إلا كل من تمكن الإجرام من نفسه، بحيث لم يترك للمجتمع فرصة ليعفو عنه، ولم تترك له جريمته فرصة للإفلات من العقوبة بأي شبهة تعرض. الحاجز الأول: هو استحباب التعافي في الحدود قبل رفعها إلى القضاء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب) [رواه أبو داود، (4378)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (4376)]. فإذا كان المجرم في نظر المجتمع أهلًا للتوبة، قريبًا من الصلاح بما يحمل في نفسه من بقية خير؛ فلاشك أن المجتمع سيسعى لإصلاحه، وإعطائه الفرصة ليتوب قبل أن يرفع أمره إلى القضاء، وقد قال تعالى في شأن أشد المجرمين عتوًّا وهم المحاربون للمجتمع بالإرهاب: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: 34]. الحاجز الثاني: قاعدة "ادرءوا الحدود بالشبهات"، وهي قاعدة صحيحة وإن كان الحديث الذي روي فيها ضعفه بعض العلماء، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم...) [رواه الترمذي، (1489)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي، (1424)]، وقال عمر رضي الله عنه: (لأن أعطل الحدود بالشبهات أحب إلى من أن أقيمها بالشبهات) [مصنف ابن أبي شيبة، (28493)]، وهذا معناه أن الشك دائمًا يفسر في صالح المتهم، وأن على القاضي ألا يوقع العقوبة إلا إذا كانت التهمة مطابقة للواقع، سالمة من المعارض، خالية من كل شبهة. رابعًا: فإذا ما أُقيم الحد على الجاني؛ لم يكن من حق المجتمع المسلم أن يعيِّره، ولا أن يمتهن كرامته؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد عندما لعن الغامدية: (مهلًا يا خالد، فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له) [رواه مسلم، (4528)]. وتكون هذه العقوبة ـ عند كثير من العلماء ـ مكفرة للذنب، مسقطة للعقوبة الأخروية، لذلك قالوا: إن هذه الحدود جوابر وزواجر، جوابر: أي تجبر كسر المعصية وتسقط عقوبة الذنب، وزواجر: أي تردع المرتكب للجريمة عن العودة إليها وتزجر أمثاله عن ارتكابها. خامسًا: فإن قالوا ـ بعد هذا الذي قدمناه ـ فيها قسوة، قلنا: لا يحق بعد الذي ذكرناه أن تُسمى قسوة، ثم إن اعتبرناها قسوة فهي كقسوة الطبيب الذي يستأصل من جسد المريض ما لابد من استئصاله وإلا هلك، فهذه القسوة التي لا تكون إلا في تلك الحالات القليلة هي عين الرحمة بالمجتمع كله، فإن من الرحمة بالمجتمع الإنساني كله أن نقسوا على هؤلاء الذين تمكن الإجرام من نفوسهم، ومن القسوة على المجتمع الإنساني أن نلين مع الذين لا يرحمون الناس. بل الواقع أن الحد عندئذ سيكون رحمة بمجموع المجرمين؛ لأنه يزجرهم ويقصيهم عن الإجرام، وكما قال الشاعر: فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقسُ أحيانًا على من يرحم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://adelamer.yoo7.com
الدكتور عادل عامر
المدير العام
الدكتور عادل عامر


ذكر
عدد الرسائل : 1585
العمر : 58
تاريخ التسجيل : 23/01/2009

العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان Empty
مُساهمةموضوع: رد: العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان   العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان I_icon_minitimeالخميس أبريل 23, 2009 9:44 pm

سادسًا: عقوبة السجن لمدد قد تطول، وغالبًا ما يتعرض فيها المسجون لسوء المعاملة، هذه العقوبة هي الأخرى فيها قسوة، وفيها سلب لحق من حقوق الإنسان وهي الحرية، وفيها امتهان لكرامة الإنسان إذ يوضع في الحجز، ويُنقل في السيارات مقيدًا ومسلسلًا كالحيوانات، والمسجون من هؤلاء ربما تمنى أن لو ضربوه ألف سوط ولم يحبسوه شهرًا أو شهرين فضًلا عن أعوام؛ بدليل أن كثيرًا من المجرمين في الدول التي ليس فيها سيادة للقانون؛ يتعرضون في كثير من الأحيان للتعذيب والضرب الليالي الطوال، للاعتراف بجريمة سرقة قد يكون حكمها في النهاية 6 أشهر، والكثير منهم يتحامل على نفسه علَّه يفلت من العقوبة بالسجن. فإن قالوا: هذه فئة لم ترحم المجتمع فكان جزاؤها أن نقسو عليها رحمة بالمجتمع، وأن هذه العقوبة للزجر والردع؛ قلنا ففيم الإنكار على الإسلام؟ والسجن قد يكون طويلًا، وقد يقضي الإنسان فيه حياته كلها، وهي حياة أشبه بالموت، والعذاب فيها ملازم للإنسان في صحوه ومنامه. ثم إن السجن لم ينجح في القضاء على الجريمة ولا حتى في تقليلها، بل إنه ساهم في تضخيمها؛ إذ أن السجن ملتقى المجرمين، يتناقلون فيه خبراتهم، ويخرج من يخرج منهم بخبرة كبيرة، وحقد كبير على المجتمع وعلى الدولة وعلى النظام. ومن أبين الأدلة على ذلك؛ أنه ليس هناك وجه للمقارنة بين المجتمع الإسلامي في عصر سيادة الشريعة، وبين المجتمع الأمريكي مثلًا في عصر سيادة المنهج العلماني، فالجريمة في أمريكا تتحدث عن نفسها كل يوم، وتحكي قصتها في سينما هوليود صباح مساء، والإحصائيات تؤكد وقوع جريمة كل بضع دقائق على مستوى العالم؛ فماذا صنعت السجون؟ وأين حقوق الضحايا الذين يذهبون أو تذهب أموالهم أو أعراضهم بسبب هذه الجرائم؟ وأخيرًا نقرر أن ما شرعه الله تبارك وتعالى لعباده هو الخير كله والمصلحة كلها، وليس أحد بأعلم من الله عز وجل ولا بأحكم منه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://adelamer.yoo7.com
 
العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العقوبات الشرعية وحقوق الإنسان
» حقوق الإنسان ، مفاهيم أساسية فوق نشأة وتطور القانون الدولي لحقوق الإنسان›
» الهجرة غير الشرعية
» علاقات الحب غير الشرعية
» السياسة الشرعية في الاسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدي الثقافة القانونية  :: عامر للعلوم القانونية :: عامر للفكر والابحاث القانونية-
انتقل الى: