تطور القانون
الدكتور عادل عامر
أسباب تطور القانون : يجد الباحث كثيراً من الأسباب أو العوامل التي اثرت على تغيير المجتمع وتطور القانون. ونجد من هذه العوامل ما هو خاص بأمة دون أخرى وما هو عام لدى سائر الأمم المتطورة.
الأسباب الخاصة:
أمثلة لتلك العوامل الخاصة التي أثرت في تطور القانون لدى بعض الشعوب.
1- العامل الجغرافي :
فهناك تطورات راجعة إلى طبيعة البلد الجغرافية ومناخها. فالدول المجاورة للبحار تعيش في ظل نظم لا توجد عند الشعوب التي لا تتصل أرضها بالبحار. فحرية الملاحة وتقدم التجارة البحرية يؤثر في قانون الدول الأولى بعكس الحال بالنسبة للنوع الثاني من الدول.
2- العامل الأنثروبولوجي:
الجنس الذي ينتمي إليه شعب من الشعوب يكون له أثره في تطور قانونه. فهناك شعوب تقوى لديها الملكة القانونية وشعوب لا تتوافر فيها تلك الصفة. وهذه الصفة تساعد تلك الشعوب على إيجاد الحلول المناسبة لما يعرض لها من مشاكل اقتصادية واجتماعية.
3- العامل التاريخي :
إن تاريخ كل أمة من الأمم يتحكم إلى حد ما، في تطور قانونها. فهناك بعض النظم أوجدتها ظروف خاصة بأمة من الأمم، كالنظام البرلماني في إنجلترا. فتطور تلك النظم محكوم بالاعتبارات التاريخية التي أوجدتها.
العوامل العامة:
لدينا عوامل تطور شاملة لسائر الأمم.
وأسباب التطور العامة يمكن أن نردها إلى العوامل الدينية والفكرية الثقافية والاقتصادية مع التسليم باختلاف اثر كل عامل منها تبعاً لظروف كل عصر وظروف كل مجتمع.
أولاً : العامل الديني
لم يقف دور الدين عند حد مساهمته في نشأة القانون بل نجده يقوم بدور هام في تطور القانون بعد تدوينه أو ثباته في صورة تقاليد عرفية راسخة في أذهان الناس. فالقانون الذي كان يسود العرب قبل الإسلام تأثر إلى حد كبير جداً بظهور الإسلام، والشعب الروماني عدل بعض نظمه القانونية واستحدث نظماً جديدة تحت تأثير الديانة المسيحية. وما زالت هاتان الديانتان الكبيرتان تلعبان دوراً كبيراً في تطور القانون في العصر الحديث. وسوف ندرس تباعاً أثر الدين الإسلامي في تطور قانون الأمة العربية ومدى تأثر كل من القانون الروماني والقانون الإنجليزي بالديانة المسيحية.
1) أثر الدين الإسلامي في تطور المجتمع العربي.
حالة العرب قبل الإسلام :
عرف العرب كثيراً من النظم القانونية والاجتماعية كانت تتلاءم مع درجة حضارتهم، فعاشوا في ظل نظام القبيلة كنظام سياسي كما عرفوا نظام الدولة في بعض المناطق «اليمن، الحيرة .. الخ». وعرفوا كثيراً من القواعد المتعلقة بنظام الأسرة كالزواج والطلاق، وأخرى خاصة بنظام المعاملات من بيع وخلافه. وكانت لديهم قواعد خاصة بالجرائم والعقوبات. وكانت النظم القانونية في صورة تقاليد وعادات تعارفوا عليها وتوارثوها جيلاً عن جيل.
أثر الإسلام:
لم يكن الإسلام ديناً فحسب بل كان ديناً ودولة، فقد جاء بدين جديد وتنظيم جديد للمجتمع مشتملاً على مبادئ خلقية وقانونية جديدة. هذه النظم والمبادئ أحدثت انقلاباً خطيراً في المجتمع العربي سواء من الوجهة الأخلاقية والاجتماعية أم من الوجهة القانونية، وكان من نتيجة ذلك أن ألغيت التقاليد والعادات التي تتنافى مع مبادئ الدين الجديد مثل بيوع الغرر والربا وبعض صور الزواج، واستبقيت التقاليد التي تتمشى مع المبادئ والخلقية والقانونية التي جاء بها الإسلام، مثل بعض صور البيوع والقصاص والدية، واستحدثت قواعد ونظم جديدة، مثل توريث الإناث ونظام الخلافة كنظام سياسي للحكم.
ويظهر أثر الإسلام في النظم الآتية :
أولاً: نظام الحكم:
عاش العرب قبل الإسلام في ظل نظام القبيلة وعرفوا نظام الدولة في شكلها الملكي في اليمن وفي الحيرة جاء الإسلام بتنظيم جديد للحكم يعتمد على الشورى والمساواة، هو ما عرف باسم نظام الخلافة. وهو يختلف تماماً عن نظم الحكم القبلي أو الملكي عند العرب.
ثانياً: نظام الأسرة:
الزواج:
عرفت القبائل العربية صوراً عديدة للزواج. منها الزواج الفردي وقد أبقاه الإسلام. وزواج المتعة كما عرفوا نظام تعدد الأزواج للمرأة الواحدة مثل زواج الإخوة وزواج الأخدان وزواج البغايا، وقد حرمها الإسلام جميعاً، وجعل الزواج الفردي هو الأصل. وعرفوا كذلك زواج الشغار أي الشاغر من المهر واعتبره الإسلام زواجاً مقترناً بشرط غير صحيح. وعرفوا أيضاً تعدد الزوجات وقد أبقى الإسلام هذا النظام ولكنه قيده بقيود معينة. أهمها أن لا يزيد عدد الزوجات عن أربع وبشرط العدل بينهن.
وأقر الإسلام موانع الزواج بسبب القرابة.وهذه الموانع كانت معروفة عند العرب فأبقتها الشريعة الإسلامية و جعلت من المصاهرة والرضاع مانعاً قانونياً من موانع الزواج في حدود معينة.
الطلاق:
الطلاق في العصر الجاهلي مباحاً لا حد لعدد الطلقات فيه. فكان للزوج حق إرجاع الزوجة أو تركها. كما كان للزوجة المطلقة أن تتزوج دون انتظار لمدة العدة.
فجاء الإسلام وحدد الطلاق بثلاث يسقط بعدها حق الزوج في إرجاع الزوجة وأوجب العدة منعاً لاختلاط الأنساب.
أنواع الطلاق:
عرف العرب أنواعاً متعددة من الطلاق، منها طلاق الظهار: و كان هذا الطلاق طلاق مؤبد لا رجعة فيه. وقد ابطل الإسلام هذا النوع من الطلاق سورة المجادلة:الايات من2 : 4، فمن ظاهر زوجته لا يقع طلاقه ويجوز له الرجوع إلى زوجته، ولكن تجب عليه كفارة. طلاق الإيلاء: وفيه يقسم الزوج على إلا يقرب زوجته مدة معينة من الزمن. فجاء الإسلام وحدد مدة الإيلاء بأربعة أشهر، ومن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء. ويجوز للحالف أن يرجع إلى زوجته خلال تلك المدة ولا إثم عليه في ذلك ويعتبر يمينه لغواً. أما إن زاد على أربعة أشهر طلقت منه زوجته.
ثالثاً: نظام الإرث:
نظم الإرث عند العرب في العصر الجاهلي بطريقة تتفق مع عقليتهم وقتئذ وتتلاءم مع الأساس الذي كانت تقوم عليه الأسرة. فكان أساسه «المناصرة والدفاع عن الأسرة».
لذلك انحصرت أسباب الإرث عندهم فيما يلي:
1- النسب (القرابة) :
كان مقصوراً على الذكور البالغين، وبذلك حرموا النساء والأطفال من الإرث.
وضع الإسلام أساساً جديداً للتوريث. فحدد أنصبة معلومة لعدد معين من أقارب المتوفى نظراً لرابطة المحبة والعطف التي كانت تربطهم به وأشرك النساء والأطفال في الإرث.
وبين الإسلام كذلك موانع الإرث فحصرها فيما يأتي: الرق والقتل واختلاف الدين.
2- التبني:
وقد ألغى الإسلام نظام التبني.
3- الولاء «الحلف أو العهد»:
وهي معاهدة يرتبط بها شخصان ويلتزم فيها كل منهما بمناصرة الآخر حال الحياة، ويتفقان على أن يتوارثا بعد الوفاة فيرث الحي منهما الميت. وقد ألغى الإسلام هذا النظام.
4- العضل:
كان الابن الأكبر يرث زوجة أبيه إذا توفى باعتبارها جزءاً من التركة. ويكون له حق الزواج منها دون مهر أو تزويجها من غيره وقبض مهرها له أو عضلها أي منعها من الزواج. وقد حرم الإسلام هذا النظام.