الشرائع السامية
__الدكتور عادل عامر
الشرائع السامية
تمهيد
تعدد الشرائع :
إن المنطقة التي يطلق عليها حالياً الوطن العربي شهدت أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، وفيها ظهرت أقدم الشرائع القانونية ويطلق على كل الشرائع التي سادت تلك المنطقة اسم الشرائع السامية نسبة إلى الساميين وهم الأشخاص الذين يتحدثون اللغات السامية بفروعها المختلفة وقد هاجروا على أثر ظروف مناخية من مواطنهم إلى وادي النيل وبلاد الشام والعراق.
ولن نعرض لدراسة كل الشرائع السامية السابقة على الإسلام بل سنقتصر على أهمها، وهي الشرائع التي سادت في بلاد ما بين النهرين وفي مصر، وشريعة اليهود، ذلك أن الشرائع السامية الأخرى التي ظهرت في منطقة الوطن العربي رغم أن لكل منها ذاتيتها المستقلة إلا أنها تأثرت إلى حد كبير بالشريعتين الكبيرتين: بابل ومصر، فضلاً عن أن الوثائق الخاصة ببعضها، مثل شريعة فينيقيا لم تكتمل دراستها وترجمتها بعد.
تقسيم :
سنخصص باباً لدراسة الشريعة التي ظهرت في مصر الفرعونية ونتبعه بآخر عن شريعة بابل وأشور في بلاد ما بين النهرين ونختتم هذه الدراسة بباب ثالث عن شريعة اليهود ونقدم لكل ذلك بمبحث عن ظهور الشرائع السامية القديمة وأهميتها.
أهمية دراسة الشرائع السامية القديمة:
بدأت تحتل دراسة الشرائع السامية القديمة مكانة هامة بين دراسات تاريخ القانون في الجامعات الأوربية منذ أوائل القرن العشرين وذلك أن فهم القانوني الروماني – وفهمه ضروري لمعرفة القانون الحديث الذي اعتمد على القانون الروماني – يقتضي معرفة الشرائع السامية بعد ما تبين أن كثيراً من نظم القانون الروماني قد تأثرت بالشرائع السامية ليس فقط في عهد جستنيان بل منذ أقدم العصور.
ومن المسلم الآن أن كثيراً من نظم الشرائع السامية تبناها جستنيان حينما أصدر مجموعاته الشهيرة في القرن السادس الميلادي. ومن المعروف أن قانون نابليون الذي صدر في بداية القرن التاسع عشر اعتمد بصفة أساسية على مجموعات جستنيان، وأن كثيراً من البلاد، ومن بينها البلاد العربية، قد نقلت عن قانون نابليون. ومن المعروف أيضاً أن الشريعة الإسلامية تبنت بعض النظم القانونية التي سادت الجزيرة العربية قبل الإسلام، وهي نظم سامية. وبالنظر إلى أن كلا من الشريعة الإسلامية وقانون نابليون يكونان مصدرين تاريخيين رئيسيين لمعظم القوانين السائدة الآن في الوطن العربي، فإن للشرائع السامية القديمة صلة غير مباشرة بقوانيننا المعاصرة سواء عن طريق قانون نابليون أم عن طريق الشريعة الإسلامية. ولذلك يمكن القول بأن قانوننا المعاصر في العالم العربي يعتبر ثمرة تطور غير مباشر للشرائع السامية التي سادت العالم العربي في العصور القديمة.
وبالإضافة إلى هذه الفائدة العملية لدراسة الشرائع السامية القديمة فإن دراستها واجبة علينا باعتبارها تمثل جزءًا من تراثنا الثقافي الأصيل. ونحن أولى بالاهتمام بها من الجامعات الأوربية.
أولاً : القانون الفرعوني
القانون الفرعوني هو القانون الذي كان مطبقا في مصر في العصر الفرعوني ابتداء من عام 3200 ق.م حتى عام 332 ق.م.
ومصادر معلوماتنا عن القانون الفرعوني – كما سبق القول – قليلة بالمقارنة بمصادر القانون في بابل. ورغم قلتها فهي كافية لبيان المعالم الرئيسية للقانون الفرعوني.
تقسيم عصور تاريخ القانون الفرعوني :
الكثرة الغالبة من العلماء يقسمون تاريخ القانون الفرعوني إلى ثلاثة عصور، كل عصر منها يمثل دورة كاملة، وكل دورة تنقسم إلى مرحلتين متميزتين: مرحلة تزدهر فيها المدنية وتقوى فيها السلطة المركزية وتنشط التجارة وتسودها النزعة الفردية، ثم تعقبها مرحلة ثانية تضمحل فيها المدنية وتتجزأ وحدة البلاد وتتحول إلى إمارات شبه مستقلة يسودها النظام الإقطاعي.
طريقة دراسة القانون الفرعوني:
ترتب على تطور القانون الفرعوني في صورة دورات استحالة تتبع النظم القانونية وما لحقها من تطور خلال الثلاثين قرناً التي عاشها القانون الفرعوني. ذلك أنه بمجرد الانتهاء من دراسة النظم القانونية في الدورة الأولى نكون في واقع الأمر قد انتهينا من دراسة الأسس العامة التي يقوم عليها القانون الفرعوني، لأن الدورتين التاليتين هما تكرار لنظم الدورة الأولى.
لذا سنقتصر على دراسة النظم في الدورة الأولى سواء بالنسبة لنظم القانون العام أم نظم القانون الخاص أم نظم العقوبات.
تشمل هذه الدورة مرحلتين أولاهما تبدأ بحكم الملك مينا، وقد ازدهرت المدنية في عهد الأسرتين الثالثة والرابعة، وتنتهي هذه المرحلة ببداية انحلال الحضارة الفرعونية منذ حكم الأسرة الخامسة. وحين تبدأ المرحلة الثانية وتستمر حتى نهاية حكم الأسرة العاشرة وبداية عصر الدولة الوسطى (2134 ق.م). وتميزت أولاهما بالنزعة الفردية والمساواة أمام القانون ووحدة السلطة المركزية. وتتميز ثانيتهما بانتشار النظام الإقطاعي وانهيار السلطة المركزية وتحول الأقاليم إلى إمارات مستقلة عن بعضها.