أثر ظاهرة القوة تنشيء الحق وتحميه فى الشرائع الحديثة والقديمة:
- ظل للقوة مكاناً بين نظم المجتمع قديماً وحديثاً ومن ذلك:-
1- فى القوانين الحديثة: إذ ما زال القانون الحديث يسمح بالاعتماد على القوة لإنشاء الحقوق وحمايتها فى بعض الحالات أهمها:
- فالقانون المدني : يعتبر أن الاستيلاء سبب لكسب الملكية ويسمح بتحول الغصب إلى عمل مشروع عن طريق التقادم.
- القانون الدستوري : يقر حق الشعوب فى القيام بثورات ضد حكامها لتغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
- القانون الدولي العام : حتى الحرب العالمية الأولى كان يسمح بضم أراضي الدول بطريق القوة "حق الغزو" .
- القانون الجنائي: يبيح دفع القوة بالقوة فى حالات الدفاع الشرعي.
2- فى القوانين القديمة : من أثر ظاهرة القوة فيها:-
- نظام الرق: إذا كان أهم مصادر الرق هو الأسر فى الحرب.
- الاسترقاق بسبب الدين: كانت بعض الشرائع القديمة تبيح للدائن أن يسترق مدينه أو أي من أفراد أسرته إذا لم يف بدينه حيث كان جسم المدين هو الضامن للوفاء بديونه.
- فى العلاقات الدولية: كان حق الغزو من المبادئ المسلم بها وقد قامت كثير من الإمبراطوريات القديمة على أساس هذا الحق.
المرحلة الثانية : مرحلة التقاليد الدينية "الوحي الإلهي"
النظم القانونية التى سادت فى هذه المرحلة :
ترتب على التطور الاقتصادي والاجتماعي والديني خلال هذه الفترة تغير واضح فى نظم الأسرة والملكية والعقوبات داخل المجتمع وفيما يلي عرض لكل نظام من هذه النظم:-
(1) نظام الأسرة : ويشمل
( أ ) سيادة نظام الأسرة الأبوية:- فقد أدى الاعتماد على الزراعة والرعي كمصدرين أساسيين للرزق وما يتطلبانه من مجهود بدني لا تقوى عليه المرأة بطبيعتها إلى أن استقل الرجل بالزعامة، كذلك انتشار عبادة الأسلاف جعل عبء أداء شعائرها وطقوسها يقع على الرجل دون المرأة، وهو ما جعل له الزعامة والصدارة.
(ب) تدني مركز المرأة : نتيجة لما سبق هبطت منزلة امرأة فأصبحت فى حكم المال المملوك لصاحب السلطان عليها كالأب والأخ قبل زواجها والزوج بعد زواجها، فلصاحب السلطان عليها بيعها أو رهنها أو إعارتها، وبزواجها تنسب إلى عشيرة زوجها وتلتزم بالإقامة معهم، ولم يكن هناك من آثار على قرابة الرحم إلا فى حالات محدودة كاعتبار هذه القرابة مانعاً من موانع الزواج.
(جـ) الزواج بالتراضي : تلاشت صور الزواج بالخطف وأصبح زواج الشخار نادر الحدوث، وأصبحت الصورة السائدة للزواج هى الزواج بالتراضي ، كما شاع تعدد الزوجات بهدف زيادة الأيدي العاملة بعد تطور المجتمع اقتصادياً وحاجته للفرد العامل .
( د ) ظهور نظام المهر: لما انتشرت الزراعة وتوفرت الأموال تحولت عادة تقديم الخدمات والأعمال والهدايا إلى أقارب المرأة التى يرغب الرجل الزواج منها إلى نظام أصيل هو ما يعرف بالمهر وكان عادة عدداً من رؤوس الماشية ، ومقدار المهروالملزم بدفع هذا المهر و كان المهر يمثل مظهر من مظاهر ارتفاع قدر المرأة ، وضماناً لها ضد سوء معاشرة الزوج، إذ يعطي للزوجة حق هجره والاحتفاظ بما دفع من مهر.
(هـ) الإرث والوصية : فسيادة نظام الأسرة الأبوية وتدني مركز المرأة أدى ذلك إلى ظهور أعراف تقضي بحصر حق الإرث فى الأبناء الذكور دون الإناث وفى حالة عدم وجود أبناء ذكور تنتقل التركة إلى العصبات كالأخوة والأعمام أو إلى البنات فى بعض المجتمعات التى حظيت بقدر من المدنية. وكانت التركة تشمل كل السلطات التى كان يتمتع بها المتوفي كسلطاته على زوجاته إذ تعتبر أرملة المتوفي جزءاً من التركة وبذلك ظهر نظام الخلافة على الأرامل.
(2) نظام الملكية :
ظهرت أهمية الأرض بعد اكتشاف الزراعة والاعتماد عليها كمصدر للعيش ، وبعد انتظام المجتمع فى قبائل حلت ملكية القبيلة محل الملكية الجماعية ، واعتبر رئيس القبيلة هو المالك لأرضها، يقوم بتوزيعها على الأسر فى قبيلته فقط للانتفاع بها، مع بقاء ملكية الرقبة لشيخ القبيلة.
وبعد سيادة نظام الأسرة الأبوية وحلولها محل القبيلة، حلت ملكية الأسرة محل ملكية القبيلة متمثلة فى ملكية رب الأسرة باعتباره مسئولاً عنها، وتحول ملكية الأسرة إلى ملكية خاصة به.
كما وجد نوع آخر من الملكية هي ملكية الأرض الموات فالأرض التى لم تستغل ولم توزع على الأسر، تظل ملكاً للجماعة كلها، أما إذا قام أحد بتعميرها فإنه يتملكها ملكية خاصة، وبازدياد تطور المجتمع تلاشت ملكية الأسرة وظهرت الملكية الفردية.
(3) نظام العقوبات: ويشمل:-
( أ ) الجرائم العامة والجرائم الخاصة : مع تطور المجتمع أصبح رؤساء القبائل المختصين بتوقيع العقاب فى معظم الجرائم بدلاً من المجني عليه فقد انتهى عهد الانتقام الفردي، واتسع نطاق الجرائم العامة أي الأفعال التى تعتبر ماسة بكيان المجتمع واختصت السلطة العامة بالعقاب عليها ولا يجوز فيها الصلح ولا الإبراء ومن أمثلة الجرائم العامة – الزنا بالمحارم والخيانة العظمي ، الهروب من القتال ، كما ازدادت أيضاً نسبة الجرائم الخاصة أي التى تمس مصالح الأفراد، و يجوز فيها الصلح والإبراء من جانب المجني عليه ومن أمثلتها: القتل والجرح والسرقة والاتهام الكاذب.
(ب) اختلاف العقوبة باختلاف مركز الجاني والمجني عليه: حيث استقرت واتضحت معالم العقوبة بالنسبة لكل فعل بحيث لا يجوز العدول عنها إلى الانتقام الفردي واتسمت هذه العقوبة بسمات عامة من أهمها:
* أنها لا تقيم وزناً للتفرقة بين الفعل العمد والفعل الخطأ.
* أنها اختلفت باختلاف مركز كل من الجاني والمجني عليه، فالعقوبة التى توقع ضد من يعتدي على حر أشد من تلك التى توقع ضد من يعتدي على رقيق، والتعويض الذي يدفع عن قتل رجل حر أكثر من ذلك الذي يدفع عن قتل امرأة أو طفل أو رقيق، كذلك سرقة الأموال ، كانت عقوبتها مثليين أو ثلاثة أمثال قيمة الشيء المسروق ، غير أنها كانت تزيد عن ذلك إذا كان المال المسروق ملكاً لأحد المعابد أو شيخ القبيلة او أحد الأشراف وتنقص إن كان المال ملكاً لأحد أفراد الطبقة الدنيا.
فوق ذلك فإن العقوبة المالية أصبحت تتضمن معنى العقوبة والضمان فى نفس الوقت، فهي ضمان لأنها تجبر الضرر ولكنها عقوبة لأن مقدارها يزيد عما حل بالمجني عليه من ضرر.
(جـ) المسئولية الجماعية: فى ظل انتشار مبدأ التضامن بين أعضاء الأسرة الواحدة كانت المسئولية جماعية، ومقتضى ذلك أن يقع على أقارب الجاني عبء المساهمة معه فى مقدار الغرامة المالية التى يدفعها ، كما تتحمل أسرته نصيباً كبيراً من مقدار الغرامة المفروضة عليه فى حالة هروبه، ومن جانب آخر لأقارب المجني عليه مشاركته فيما يحصل عليه من تعويض.
( د ) تنفيذ العقوبة : لا يتم تنفيذ العقوبة إلا بعد صدور حكم قضائي، وكانت تتولى تنفيذها السلطة العامة فى بعض الحالات كالتنفيذ على أموال الفرد وفاءاً لغرامة ويترك للمجني عليه وأقاربه فى حالات أخرى كما فى القصاص.
(4) نظام التقاضي:
كان رجال الدين هم القضاة المختصون لإلمامهم بالتقاليد واجبة التطبيق، كما كانوا يتولون تنفيذ ما يصدرونه من أحكام، ولم تكن هناك قواعد فنية أو إجراءات للمحاكمة.
فكان التنظيم القضائي اقرب الي التحكيم منه الي القضاء بالمعني الفني الدقيق و قد تباين نظام التقاضي تبعاً لطبيعة النزاع فإذا كان النزاع بين أفراد ينتمون لأسرة واحدة، ففي هذه الحالة كان رب الأسرة يتولى بمعونة شيوخ الأسرة حسم النزاع. أما إذا كان النزاع بين عدة أسر من عشيرة واحدة فإن رئيس العشيرة كان هو الذي يتولى حسمه, وبعد ظهور الدولة، كان الملك هو الذي يقوم بنفسه بالفصل فى القضايا الهامة والخطيرة، ويفوض بعض القضاة للفصل فيما دون ذلك من المنازعات وذلك طبقاً للتقاليد والقواعد القانونية المتعارف عليها.
ولم يكن الأفراد يتولون بأنفسهم رفع شكاياتهم إلى القضاء فلم يكن للفرد كيان ذاتي داخل أسرته ، إنما كان رب الأسرة أو رئيس العشيرة هو الذي يمثل أسرته أو عشيرته أمام القضاء، وكانت اجراءات التقاضي تتم شفاهة ومن ثم كانت شهادة الشهود الدليل الرئيسي بين أدلة الإثبات، كما كانوا يلجئون أيضا إلى المحنة واليمين.
ثالثا : مرحلة عصر التقاليد ا لعرفية:
أي العصر الذي صار فيه العرف المكانة الأولى بين مصادر القانون
ويشمل الحديث عن هذا العصر النقاط الآتية:
أولا - أسباب ظهور العرف كمصدر للقانون : يتلخص سبب ظهور العرف كمصدر للقانون فى انفصال السلطة الزمنية عن السلطة الدينية نتيجة التطور الذي حققه المجتمع بكافة صوره وارتفاع مستوى الوعي والثقافة بين الأفراد أمام تعسف السلطة الدينية واستئثارها بجميع السلطات ورغبة المدنيين فى تغيير هذه الأوضاع لصالحهم فى الغرب والشرق ، فترتب عن ذلك التحول من التقاليد الدينية إلى التقاليد العرفية كمصدر أساسي للقاعدة القانونية.
ثانيا - نتائج ظهور التقاليد العرفية كمصدر للقانون : تترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون عدة نتائج أهمها:
(1) تعدد مصادر القاعدة القانونية: فلم تعد الديانة المصدر الوحيد للقانون، ولكن ظهر العرف ومصادر أخرى كالفقه والتشريع.
(2) القانون تعبير من إرادة الشعب : أدى اعتبار العرف مصدر للقانون أن أصبح القانون يعبر عن إرادة الشعب ويعكس ظروف المجتمع ويتطور مع تطوره بشكل مرن وتلقائي.
(3) قابلية القانون للتعديل: ترتب على اعتبار القانون تعبيراً عن إرادة الشعب أن أصبح قابلاً للتعديل كلما تغيرت ظروف المجتمع.
(4) علانية القواعد القانونية : إذ أصبحت القواعد القانونية معلنة وواضحة بعد أن كانت محفوظة فى صدور رجال الدين لا يطلع عليها غيرهم.
(5) الجزاء : ترتب على انفصال القانون عن الدين واعتبار العرف مصدراً للقانون أن تميز الجزاء الديني عن المدني ، والقضاء الديني عن المدني.
(6) المساواة بين الناس : أدى التطور الذي لحق المجتمع إلى إزالة الفوارق بين الطبقات (أشراف وعامة ورجال دين).
(7) سلطة الحاكم : ترتب على ظهور العرف كمصدر للقانون أن ظهر مبدأ "الديمقراطية" فى الحكم ، وأصبحت السيادة للشعوب.
ثالثاً : النظم القانونية التى سادت فى مرحلة التقاليد العرفية ، وهي :-
(1) نظام الأسرة - ويشمل :
( أ ) تدعيم الأسرة الأبوية: ظل نظام الأسرة الأبوية هو السائد، وتدعمت سلطة رب الأسرة فأصبحت مطلقة تمتد إلى أرواح وأموال الخاضعين لسلطته، ثم خفت حدة هذه السلطة مع تطور المجتمع إذ أصبحت سلطة رعاية وحماية وتأديب واعترف للأبناء بذمة مالية مستقلة.