فساد عقيدة الرجعة عند الشيعة
أرضت عقيدة الرجعة غريزة الثأر والانتقام عند الشيعة من أعدائهم قديما وحديثا، وجعلتهم يحسون بنشوة الانتصار، ولو في الأحلام، إذ كان أعداؤهم عبر التاريخ، أهل شوكة ومنعة وقوة، وأهل نصر مستمر على الشيعة، وكان هذا النصر دافعا لكثير من الشيعة لأن يرتاب في عقيدته المخذولة، وينصرف عن جماعته المهزومة، فكانت الرجعة موعدهم المنتظر، يوم النصر والثأر من كل أعدائهم.
والرجعة عند الشيعة هي الحياة بعد الموت قبل يوم القيامة، حيث يخرج نفر من الناس من قبورهم للانتقام ممن أساء للشيعة، أو لكي ينتقم منهم أئمة الشيعة.
المفهوم العام لمبدأ الرجعة عن الاثني عشرية يشمل ثلاثة أصناف:
الأول: الأئمة الاثني عشر، حيث يخرج المهدي من مخبئه، ويرجع من غيبته، وباقي الأئمة يحيون بعد موتهم ويرجعون لهذه الدنيا. الثاني: ولاة المسلمين الذين اغتصبوا الخلافة – في نظرهم – من أصحابها الشرعيين (الأئمة الاثني عشر) فيبعث خلفاء المسلمين وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان.. من قبورهم ويرجعون لهذه الدنيا – كما يحلم الشيعة – للاقتصاص منهم بأخذهم الخلافة من أهلها فتجري عليهم عمليات التعذيب والقتل والصلب.
الثالث: عامة الناس، ويخص منهم: من محض الإيمان محضًا، وهم الشيعة عمومًا، لأن الإيمان خاص بالشيعة، كما تتفق على ذلك رواياتهم وأقوال شيوخهم – كما سلف [انظر: ص (572-573).] – ومن محض الكفر محضًا، وهم كل الناس ما عدا المستضعفين [المستضعفون: مصطلح عند الشيعة يرد في مصادرهم على ألسنة شيوخهم القدامى والمعاصرين، وهم كما يقول المجلسي: ضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمن الفترة، أو كان في موضع لم يأت غليه خبر الحجة فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار (بحار الأنوار: 8/363، والاعتقادات للمجلسي: ص100).]. وهذه العقيدة من العقائد التي أجمعت الشيعة الاثني عشرية على الاعتقاد بها، يقول عالمهم الحر العاملي في كتابه "الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة" بعد أن ذكر أدلتهم على الرجعة: عن أبي عبد الله قال: (ما يقول الناس في هذه الآية ويوم نحشر من كل أمة فوجا، قلت يقولون إنها في القيامة، قال ليس كما يقولون، إن ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين، إنما آية القيامة قوله : وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا). ورأس الطواغيت عندهم هما الجبت والطاغوت، أبو بكر وعمر، صهري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فهم أول من سيتم الانتقام منهم. جاء في كتاب بحار الأنوار لإمامهم المجلسي 53/39، ما نصه: (وأجيءُ إلى يثرب، فأهدم الحجرة [يعني الحجرة النبوية]، وأُخرج من بها وهما طريان، [يعني أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، لأنهما دفنا مع رسول الله في بيته، وبجوار قبره] فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يُصلبانِ عليهما، فتورِقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى، فينادي منادي الفتنة من السماء يا سماء انبذي، ويا أرض خذي، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن). ويقيم مهدي الشيعة أيضًا، أثناء رجعته، حسب اعتقادهم الفاسد، الحد على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. فيذكر شيخهم الحر العاملي في كتابه الإيقاظ من الهجعة، والمجلسي في بحار الأنوار، عن عبد الرحمن القصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (أما لو قد قام قائمنا لقد رُدت إليه الحميراء، [والحميراء: تصغير الحمراء، وهي الطاهرة عائشة أم المؤمنين وقد كان الرسول يناديها بهذا الاسم لشدة بياضها وجمالها رضي الله عنها]، حتى يجلِدَها الحد) انتهى كلامه. ومن مهام مهديهم المنتظر أيضًا قتل الحجاج بين الصفا والمروة، فقد روى إمامهم المجلسي في بحار الأنوار 53/40 ما نصه: ( كأني بحمران بن أعين، وميسر بن عبد العزيز، يخبطان الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة). ويقوم أيضًا هذا المهدي المزيف بقطع أيدي وأرجل المشرفين على الحرم. كل هذا الحقد الدفين لأنهم يقومون بخدمة حجاج بيت الله الحرام وينظمون مسيرة الحج، ويهيئون المشاعر المقدسة، لاستقبال زوار بيت الله تعالى. فقد روى شيخهم النعماني في كتابه الغيبة ما نصه: (كيف بكم، لو قد قُطعت أيدِيَكم وأرجُلَكُم وعلقت في الكعبة، ثم يقال لكم: نادوا نحن سُراق الكعبة) انتهى كلامه. كما روى شيخهم المفيد في كتابه الإرشاد، والطوسي في كتابه الغيبة ما نصه: (إذا قام المهدي هدم المسجد الحرام…وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة وكتب عليها هؤلاء سُراق الكعبة). ومن عقيدتهم الفاسدة كذلك استحلال ممتلكات أهل السنة، الذين يسمونهم بالنواصب، حيث يُبيحون لأتباعهم الاستيلاء عليها، كلما حانت لهم الفرصة، وتيسر طريق ذلك لهم ، فقد روى إمامهم الطوسي في كتابه تهذيب الأحكام 1/384 ما نصه: (خذ مال الناصب [يعني السني] حيثما وجدتُه، وادفع إلينا الخُمس) انتهى كلامه، وقال أيضاً ما نصه: ( مال الناصبِ، وكلُ شيءٍ يملكه حلال) انتهى كلامه. ويعتقد الشيعة أن مهديهم سينزع الحجر الأسود من الكعبة وينقلها إلى مدينتهم المقدسة الكوفة، كما نقل ذلك إمامهم الفيض الكاشاني في كتابه الوافي ما نصه: (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله عز وجل بمالم يَحبُ أحداً من فضل، مصلاكم بيت آدم، وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم…ولا تذهب الأيامُ والليالي، حتى يُنصب الحجر الأسود فيه) انتهى كلامه. إنهم يستدلون على الرجعة بتأويل الآيات القرآنية على مزاجهم فيقولوا في قوله تعالى: [قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين] غافر:11، أنها تعني الرجعة فقد جاء في تفسير عبد الله شبر (ص44) ط دار إحياء التراث العربي بيروت ط 2 سنة 1977 (أمتنا اثنتين) في الدنيا وفي الرجعة (وأحييتنا اثنتين) في القبر والرجعة. وأما تفسيرها الصحيح في ما رواه الثوري عن ابن مسعود أنها كقوله تعالى: [كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون] فحين يرون العذاب يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن يرجعوا إلى الدنيا حتى يعملوا صالحاً، كما أماتهم مرتين وأحياهم مرتين فهم هاهنا يطلبون الرجوع للدنيا مرة أخرى فيكون الجواب من الله سبحانه وتعالى عليهم: [كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا] ولذلك يقولون عندما يرون العذاب: [قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل] غافر: آية 11. وكذلك قوله تعالى: [حتى إذا جاء أحدكم الموت قال رب ارجعون لعلي، اعمل صالحاً فيما تركت، كلا إنما هي كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون] المؤمنون: آية 99. ومن استدلالات هؤلاء غير المنطقية على أفكارهم الضالة تأويل قوله تعالى: [ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم] البقرة: 243. فقد فسرها عالمهم ابن بابويه بأن المقصود من هذه الآية هي الرجعة بعد الموت إلى الدنيا، مع أن التفسير الصحيح والمنطقي لهذه الآية، أن الله ضرب مثالاً في هذه الآية على قدرته وفضله على أهل مدينة خرجوا منها خوف الموت إذ وقع فيها الطاعون فأماتهم ثم أحياهم وليبين لهم أن الفرار من الموت غير منج. كذلك يؤولون قوله تعالى: [إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد] القصص: 85، فقد فسرها ابن إبراهيم بأنها الرجعة. ولكن التفسير الصحيح لهذه الآية الكريمة، أن الله سبحانه وتعالى يخاطب محمد عليه الصلاة والسلام أثناء هجرته من مكة إلى المدينة مسلياً له ومبشراً ومطمئناً بقوله تعالى يا محمد إن الذي افترض عليك القرآن لامتثال أمره وتبليغه للناس لرادك إلى مكة فاتحاً.
يرى شيخ المفسرين عندهم أن من أعظم الأدلة على الرجعة قوله سبحانه: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء، آية: 95.]؛ حيث يقول ما نصه: "هذه الآية من أعظم الأدلة على الرجعة؛ لأن أحدًا من أهل الإسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون يوم القيامة من هلك ومن لم يهلك" [تفسير القمي: 2/76، وقد وُضع عنوان في أعلى الصفحة لهذا الدليل المزعوم على الرجعة يقول: "أعظم آية دالة على الرجعة" (بحار الأنوار).]. مع أن الآية حجة عليهم، فهي تدل على نفي الرجعة إلى الدنيا؛ إذ معناها كما صرح به ابن عباس وأبو جعفر الباقر وقتادة وغير واحد: حرام على أهل كل قرية أهلكوا بذنوبهم أنهم يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة [انظر: تفسير ابن كثير: 3/205.]، وهذا كقوله سبحانه: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [يس، آية: 31.]، وقوله: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس، آية: 50.]، وزيادة "لا" هنا لتأكيد معنى النفي من "حرام"، وهذا من أساليب التنزيل البديعة البالغة النهاية في الدقة. وسر الإخبار بعدم الرجوع مع وضوحه، هو الصدع بما يزعجهم ويؤسفهم ويلوعهم من الهلاك المؤبد، وفوات أمنيتهم الكبرى وهي حياتهم الدنيا [تفسير القاسمي: 11/293.]. وإذا كان المقصود إثبات الرجعة فهي رجعة للناس ليوم القيامة بلا ريب [من المفسرين من يذهب لهذا ويرى أن الآية لتقرير الإيمان بالبعث، وهي تتمة وتقرير لما قبلها وهو قوله تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء، آية: 93] فتكون "لا" فيها على بابها، وهي مع "حرام" من قبيل نفي النفي، فيدل على الإثبات. والمعنى: وحرام على القرية المهلكة عدم رجوعها إلى الآخرة، بل واجب رجعها للجزاء، فيكون الغرض إبطال قول من ينكر البعث. (انظر: تفسير القاسمي: 11/293).]، أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء [فتح القدير: 3/426.].