- نظم القانون الخاص
- الدكتور عادل عامر
أولاً : الشخصية القانونية
التعريف بالشخصية القانونية :
تعرف الشخصية القانونية بأنها الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات القانونية الحديثة، لا تقصر الشخصية القانونية على الآدميين بل تمنحها أيضاً لبعض الهيئات، منها في القانون الخاص الجمعيات والشركات والمؤسسات. ولذلك يقال بأن الآدميين أشخاص حقيقية أو طبيعية بينما تعتبر هذه الهيئات أشخاصاً اعتبارية أو معنوية. وهذه الأشخاص الاعتبارية صالحة لكسب الحقوق والتحمل بالواجبات على وجه الاستقلال عن الأشخاص المكونين لها أو المستفيدين منها.
(أ) الشخص الطبيعي (الإنسان):
الشخصية القانونية تثبت للإنسان لمجرد كونه إنساناً، فكل إنسان يعتبر شخصاً في القانون الحديث. وتبدأ هذه الشخصية بولادته وتستمر حتى وفاته وحينئذ تنتهي شخصيته. ولكن الأمر لم يكن كذلك في معظم الشرائع القديمة حيث كانت الشخصية القانونية لا يعترف بها إلا للأحرار من المواطنين كقاعدة عامة وللأحرار من الأجانب في حدود معينة. ولذلك لم يكن الرقيق شخصاً في الشرائع التي كانت تأخذ بنظام الرق.
وقد ثار التساؤل عما إذا كان القانون الفرعوني قد عرف نظام الرق في دورته الأولى. وذهبت الغالبية إلى تفسيرها بما يفيد إنكار وجود الرق. وطبقاً للرأي الراجح فإن المصري يولد حراً ويموت حراً سواء كان من العمال أم الفلاحين أم من عظماء الدولة وسواء في المرحلة التي سبقت العهد الإقطاعي أم خلاله حتى نهاية الدورة الأولى. فالوثائق الخاصة بإحصاء الذهب والحقوق لا تذكر وجود الرقيق فضلاً عن أنه يبين من بعض الوثائق الأخرى أن الفلاح أو العامل كان يمارس حقوقاً هي من مظاهر الشخصية القانونية منها: توقيع أحد العمال على وثيقة باعتباره شاهداً، والزراع merit في المزارع الملكية أو في أراضي المعابد أو أراضي كبار الملاك كانوا يرتبطون بهؤلاء بعقد مزارعة ويقومون بالزراعة لحسابهم الخاص ويوفون ما عليهم من التزامات لصاحب الأرض. وفي بعض عقود العمل كان العامل أو الفلاح يعمل بأجر في ساعات معينة ولمدة معينة. وفي النقوش الموجودة على المقابر يفاخر الميت بأنه لم يبخس عاملاً حقه ويباهي بأنه كان يوفي العمال أجورهم.
غير أن بعض الوثائق تدل على أن أسرى الحروب من الأجانب كانوا يعملون بدون أجر في المزارع الملكية أو في المحاجر أو في مناجم النحاس في سيناء وأن حالة هؤلاء لا تختلف كثيراً من الناحية الفعلية عن الرقيق. ولذلك يعتبرهم بعض الباحثين نوعاً من الرقيق العام. وقد جرى العمل على أن الدولة كانت تنزل عن حقها على هؤلاء الأسرى إذا ما تصرفت في بعض أملاكها للأفراد أو الهيئات.
(ب) الشخص الاعتباري (حقول الآلهة والمؤسسات الدينية):
تدل الوثائق على أن الملك كان يهب بعض المعابد وكهنتها أراضي زراعية تخصص للإنفاق على العبادة الملكية وتقديم القرابين والشعائر حال حياة الملوك وبعد وفاتهم، وتسمى هذه الأراضي حقول الآلهة. وبهذا التخصيص تخرج هذه الأموال من دائرة التعامل. ومن ناحية أخرى جرى بعض الأفراد منذ عهد الأسرة الرابعة على تخصيص أموال معينة من ممتلكاتهم لتقديم القرابين بعد وفاتهم في مقبرتهم، وقد جرى الباحثون على إطلاق تعبير المؤسسات الدينية على هذه الأموال.
وقد ذهب فريق من الباحثين إلى القول بأن حقول الآلهة تعتبر أشخاصاً اعتبارية مستقلة عن هيئة الكهنة الذين يقتصر دورهم على إدارتها، وتمثيلها. وذهب فريق آخر، وهو الرأي الصحيح عندنا، إلى أن هذه الأموال شبيهة بنظام الوقف على المساجد الشائع في البلاد الإسلامية، وأنها لا تعتبر مملوكة للشخص الاعتباري المزعوم بل تعتبر مملوكة للكهنة ملكية مقيدة. وذهب الرأي الأول أيضاً إلى أن المؤسسات الدينية، أي الأموال التي يرصدها الأفراد لخدمة الموتى في المقابر، تعتبر مؤسسات دائمة شبيهة بالمؤسسات في الفقه الحديث التي تقوم على رصد مال لجهة من جهات البر أو النفع العام تتمتع بشخصية قانونية مستقلة عن هيئة الكهنة التي تتولى إدارتها أو تمثيل المؤسسة. أما الرأي الثاني – وهو الصحيح عندنا – فيذهب إلى أنها هبة مشروطة بعوض هو تقديم القرابين. فالأموال لا تعتبر مملوكة للإله ولكنها تعتبر مملوكة للموهوب له، وهم الكهنة.
وعلى كل حال فإن الشرائع القديمة لم تعرف المؤسسات بالصورة المعروفة في الفقه الحديث. ولكنها تعرف النظام الذي يقوم على ائتمان شخص على مال معين أو هبته إياه على أن يلتزم بتنفيذ رغبات وشروط المؤتمن أو الواهب.
تطور المجتمع المصري بسبب ظهور النظام الإقطاعي وامتيازات الأشراف الأمر الذي أدى إلى تغيير النظام الاجتماعي فضلاً عن الشخصية القانونية إذا انقسم المجتمع إلى طبقات.
(أ) الشخص الطبيعي (الإنسان):
ظل القانون الفرعوني يجهل نظام الرق في هذه المرحلة كما كان يجهله في المرحلة السابقة. غير أن المركز القانوني للمصريين، أصبح يختلف باختلاف حالة الشخص تبعاً للطبقة التي ينتمي إليها. فالأشراف – كما سبق القول – كانوا يتمتعون بالعديد من الامتيازات. وكل من لا يدخل في عداد الأشراف يدخل في الطبقة الثانية وهي طبقة أنصاف الأحرار. وهذه الطبقة كانت تشمل الفلاحين والعاملين في الإقطاعية من مستخدمين وكتبة وصناع. وهؤلاء أصبحوا تابعين للأرض – كما سبق القول – نتيجة لتحول علاقة المزارعة التعاقدية بين الفلاح والمالك إلى علاقة تبعية دائمة للأرض تلزمه هو وورثته بالبقاء في الأرض لا ينتقل منها أبداًَ ولا يخرجه منها مالكها. وتنتقل تبعية الفلاح للمالك الجديد في حال انتقال ملكية الأرض. ونظام التبعية – كما هو معروف – يختلف عن نظام الرق. غير أن التابع وإن كان حراً إلا أنه يلتزم بعدة التزامات تقيد هذه الحرية وتحد منها، فهو تابع للأرض، وللشريف حق القضاء داخل إقطاعيته وله أيضاً فرض الضرائب فضلاً عن قيمة الإيجار وكل من الإيجار والضريبة يخضع لإرادة الشريف.
(ب) الشخص الاعتباري:
ترتب على انتشار النظام الإقطاعي، ظهور نوع جديد من الملكية هو ملكية الأسرة. وقد ذهب فريق من الباحثين إلى أن ملكية الأسرة تعتبر شخصاً اعتبارياًَ يسمى المؤسسات الأهلية بالإضافة إلى الأشخاص الاعتبارية الأخرى وهي حقول الآلهة والمؤسسات الدينية. غير أن هناك فريقاً آخر يذهب إلى إنكار صفة الشخص الاعتباري على ملكية الأسرة – كما أنكره على حقول الآلهة والمؤسسات الدينية والأهلية – وهو الرأي الصحيح عندنا. ذلك أن أموال الأسرة كانت مملوكة ملكية مشتركة بين الورثة ولكل منهم نصيبه فيها وليست مملوكة للأسرة في ذاتها.