ظاهرة السرقات الأدبية
أسوة بالعديد من الظواهر السلبية التي أضحت من السمات المميزة للكثير من مفاصل حياتنا الراهنة. برزت ظاهرة خطيرة أخذت تتفشى بشكل لافت للنظر إلا وهي ظاهرة السرقات الإبداعية. لم يكن الأمر معرفا بهذا الشكل فيما مضى على الرغم من الانحطاط الثقافي آنذاك. غير ان اتساع دائرة هذه الظاهرة ألان يعد امرأ يستحق أكثر من وقفة بعد ان أصبح الطريق سالكا للعديد من أشياء المثقفين والمؤلفين الزائفين الذين لايكلفون أنفسهم عناء البحث والمثابرة، وبالتالي فكل ما يمكن انجازه من قبلهم هو إعارة أسمائهم لمنجزات غير الواهمين أنفسهم بأنهم أصبحوا في دائرة الضوء الإعلامي يحف بهم بريق الشهرة والمجد هذا إلى جانب الارتزاق المجاني. ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح-
ما هي الأسباب التي أدت لنشوء مثل هذه الظاهرة الخطيرة.
في البدء ينتابنا التردد بعض الشيء في الإجابة على هذا السؤال لأننا سنجد أنفسنا امام معظلة هذا السيل العارم من الصحف والمجلات إلى جانب اتساع وسائل الاتصال من خلال تصفح المواقع على شبكة الانترنيت وسهولة الحصول على العديد من المعلومات والمواد الإبداعية المراد نسخها والاشتغال عليها. ولكي نتجاوز هذا المأزق فما علينا سوى ان نسمي الأشياء وفق مسمياتها. فهناك العديد من الأحزاب والمنظمات تصدر الكثير من الصحف والمجلات وبما ان هذه الصحف والمجلات بحاجة ماسة إلى من يرفضها بالإعمال الأدبية والسياسية كي تملأ صفحاتها من اجل تنظيم عمل صدورها في المواعيد المقررة لها. فهي باتت لا تعير الاهتمام لما يرد إليها سواء كانت المادة التي يراد نشرها مسروقة أم منتحلة. ومما يحز في النفوس فان سمة السرقة لم تعد مقتصرة على المنجزات الأدبية وحسب بل امتدت لتشمل العديد من المجالات الإبداعية بل وحتى البحوث الأكاديمية والدراسات والرسائل الجامعية. ولهذا فلابد لنا من وقفة حاسمة امام سيل الأدعياء العارم بغية الحفاظ على نقاء الإبداع والمبدعين. اعتقد ان السرقات الأدبية ظاهرة موجودة وحقيقة لابد من الاعتراف بوجودها بشكل أو بآخر، ولكن قبل هذا.
تعريف السرقات الأدبية ؟
أعتقد ان كل نص أدبي ينطوي على سرقة ما من الآخر المرافق زمنياً(للسارق) أو المفارق له تاريخياً، غير ان هذا التحديد ينشطر إلى حالتين منفصلتين كلياً: الأولى تمتلك كل مواصفات السرقة المتعارف عليها، والثانية تتضمن السرقة لكنها غير معنية بها سواء بتوجهاتها أو وسائلها،وهي حالة الإبداع الحقيقي الذي لا بد من ان يكون، شاء الكاتب أم أبى حصيلة لخبراته وتجاربه وقراءاته السابقة، التي هي نتيجة تفاعل مع المحيط وتراكماته التاريخية. السؤال متعلق بالحالة الأولى، وعليه سأكتفي بالإجابة عنه لأقول ان من يلجأ إلى هذه الطريقة كاتب فاشل أو مدسوس في الوسط الثقافي والإبداعي، أي انه دخيل عليه من خارجه، لهذا فان كل من يمارسه ويتم فضحه يصنف نفسه تلقائياً ضمن هذا الإطار. ولا مجال على هذا الأساس لأية تأويلات أو تحليلات معقدة لسلوكه. أرى إذن ان يتفق الأدباء والكتاب على هذا المبدأ، والإشارة بوضوح لكل من يمارسه، فهو نبتة ضارة لا في حدود ما سرقه، بل في وجوده بصفته حضوراً مزيفاً وسط مبدعين بإمكانه إشغالهم وتوريطهم بقضايا غير إبداعية لا حصر لها. ان عملية السطو على الجهد الفكري تعد من أبشع أنواع السرقات، خاصة ان من تمتد يده له الدراية والمعرفة بعناء الأديب والمفكر. بدليل ان السارق-نفسه- قد بذل جهده وفشل في خلق عمل مواز للمادة المسروقة، ولعل القصور الإعلامي في معرفة أصحاب الفكر والإبداع والتعريف بهم وبنتاجهم يعد مؤشراً واضحاً ومشجعاً لعمليات السطو. ويظل السطو عملاً مداناً، كلما اتسعت المجالات الثقافية وتكاثفت الندوات الفكرية قلت ظاهرة السطو التي يجب ان يعالجها قانون صارم يحفظ حق المؤلف ويوقع بالسارق العقاب الذي يستحقه، وان التشهير بالسارق واجب إعلامي وأخلاقي مطلوب.