ما هي الضوابط الشرعية في معاملة الأسرى؟ هل الاتفاق العالمي في جنيف عن معاملة الأسرى مقبول في الإسلام؟ أريد أن أفهم هذا الموضوع في ضوء الحرب الأمريكية العراقية الآن.
الإجابة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فإن هذا الموضوع متناول في كتب الفقه وأبواب الجهاد في الصحاح والسنن والمسانيد، ولا يفي هذا المختصر بالإحاطة به من كل أطرافه، لكن ثمةَ أموراً يحسن التنبيه إليها:
أولها: أن الأمير المسلم مخيّر في الأسير الكافر بين أربعة مآلات وهى:
1- المن.
2- الفداء لقوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}.
3- القتل.
4- الاسترقاق.
وهذا ثابت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قتل مِن أسرى بدرٍ النضرَ بن الحارث وعقبة بن أبي معيط. وتكرر منه الاسترقاق للكافرين في كثير من غزواته صلى الله عليه وسلم.
قال أهل العلم: وتصرف الإمام في هذا كله منوط بالمصلحة لا بالهوى.
ثانياً: الإحسان إلى الأسرى خلق إسلامي وأدب قرآني. قال تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً}، ويكون هذا الإحسان في الطعام والشراب والكساء والعلاج والكلام الحسن. وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسرى بدر ومع ثمامة بن أثال رضي الله عنه. قال الشوكاني رحمه الله: "وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسرى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولاسيما من يتبعه على الإسلام العدد الكثير من قومه".
ثالثها: لا يجوز تعذيب الأسير ببتر أعضائه أو حرق أطرافه أو غير ذلك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين عرض عليه أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو حتى يندلع لسانه: "لا يا عمر، لا أمثّل به فيمثّل الله بي وإن كنت نبياً".
رابعها: يُعرض على الأسير الدخول في الإسلام فإن فعل استُحب فكاكه من الأسر كما فعل ذلك نبينا عليه الصلاة والسلام ببني المصطلق وأهل ثقيف وهوازن؛ لأن الغاية الأولى من الجهاد نشر الدعوة وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.
خامسها: اتفاقية جنيف وغيرها غير خافٍ عليك أنها بُنيت على غير أساس التحاكم إلى الإسلام، وواضعوها ليسوا مسلمين، وعليه فلا يلزم المسلمين العمل بها إلاّ فيما كان موافقاً للإسلام من بنودها، ولا يغرنّك دندنة الكفار حولها وتشدقهم ببنودها، فإنهم يُعْمِلونها إذا دعت لذلك مصالحهم ودعاياتهم الآثمة ويُعمِلونها متى ما أرادوا. ودونك ما تفعله الحكومة الأمريكية الآثمة البغيضة بإخواننا الأسرى المسلمين في جوانتنامو حيث لا حقوق ولا عهود.