جغرافية الجريمة الحضرية
الدكتور عادل عامر
تأليف ديفيد هربرت نقلته إلى العربية د. ليلى بنت صالح محمد زعزوع
عرض الكتاب: نتعرف في هذا الكتاب علي الإسهام الجغرافي ودوره في علم الإجرام أحد الأبعاد التي أهمل تناولها رغم أهميتها في مجتمعاتنا، ورغم أننا لا ندعي أننا سنجد حلولا لمشكلة الجريمة من المنظور الجغرافي ، إلا أننا سنقدم بعدًا أو دورًا نتفاعل فيه مع ظاهرة الجريمة في المجتمع . ترتبط الاتجاهات الجغرافية الحديثة بالإطار العلمي الرئيس أو المحوري لعلم الجغرافية وفق منهجيته المؤطرة التي تتواءم فيها الموضوعات ضمن الوحدة المنهجية للعلم ، وموضوع كتابنا هذا عن جغرافية الجريمة الحضرية هو أحد هذه النماذج ،الذي يعطي الباحثين دفعة قوية للاعتراف الأكاديمي بتشعب فروع العلم مع الحفاظ على الصلة الوثيقة بمحوره الجغراف
وفي هذا السياق فإن الظاهرة المدروسة في جغرافية الجريمة تعطي للدارس الموضوعي تميزه النعتي ، لأن المناهج والأفكار المدروسة مرتكزة في الأساس على العلم الرئيس وهو الجغرافية ، ويبرز الإسهام الجغرافي عند تناولنا للمشكلات الاجتماعية ومنها دراسة جغرافية الجريمة لكي يبين لنا قدرات و إمكانيات الجغرافيين علي تطوير مناهج ذات قابلية للتطبيق في موضوع حيوي كالجريمة إن الجريمة ظاهرة ملموسة في أي مجتمع بشرى ، لكن الأمر يتفاوت عند التصنيف فأي نظام تصنيفي للجريمة والمجرمين لن يحظى بالإجماع، ولكن الهدف هو استيفاء مبادئ رئيسة للعدالة في المجتمع. ومع ازدياد الجرائم وانتشارها يتدنى الشعور بالأمان والرفاه الاجتماعي في المجتمع الحضري، ولذا فإن الجريمة تشكل للجغرافي حقول دراسية موضوعية جديرة بالبحث والاهتمام فيما يخص العدالة والشرطة والانحراف والمجرمين وضحاياهم وغير ذلك . لأنها تطرح لنا أراء أكاديمية في سياق الدراسات التطبيقية للمشكلات الاجتماعية، التي نهدف من تطبيق نتائجها إبرازها للسكان في المدن التي تمثل الجريمة فيها مصدر خوف وقلق على حياتهم اليومية وطالما أن للبحث الجغرافي قيمته وفعاليته في هذا المجال الحيوي.
يقع الكتاب في عدد من الفصول تتناول :
الفصل الأول : نطلع القارئ فيه عن قواعد البيانات والأنماط الإقليمية ، وفيه نلقي الضوء على مصادر معلومات الجريمة ، والتحريف الذي يحدث عند تمثيل بيانات الجريمة ، والاتجاهات الزمنية ثم الأنماط الإقليمية.
الفصل الثاني: ونتناول فيه تطور نظريات علم الإجرام ، و التطورات المنهجية في الجغرافية البشرية ثم الإطار الفكري العام لجغرافية الجريمة.
الفصل الثالث: ويناقش الاتجاهات والإيكولوجية والمكانية في دراسات الجريمة ، مناطق الجريمة والانحراف.
الفصل الرابع : يطرح للقارئ البيئات المهيأة للجريمة.
الفصل الخامس : ونتعرف من خلاله على سكن مرتكبي الجرائم: أي مناطق المشكلات.
الفصل السادس: نلخص فيه نتائج الاتجاهات البحثية للجريمة ودلالاتها ، ورسم السياسات المكانية ، مكافحة الجريمة والوقاية منها.
علم الإجرام
علم الإجرام (بالإنجليزية: Criminology) هو العلم المختص بالدراسة العلمية للجريمة كظاهرة فردية واجتماعية.
مفهوم السلوك الإجرامي وأهداف العقاب
من أصدق المؤشرات على درجة الوعي الفكري واتجاه التغير الاجتماعي(4)
الجريمة هي أي فعل يؤدي إلى انتهاك القانون ويعاقب صاحبه من قبل الدولة .
ورغم ما يشاهد من انسجام لهذا التعريف مع مختلف القوانين، إلا أنه لا يخلو من العيوب، شأنه شأن جميع التعاريف في مجال العلوم الإنسانية، وأهم هذه العيوب:
1 ان بعض المجتمعات لا توجد لديها قوانين مكتوبة حتى اليوم.
2 ان المشرعين لا يستطيعون الإحاطة بكل الأفعال الإجرامية أو الضارة بالمجتمع فيخلو التشريع من ذكرها بالتحديد.
3 ان القانون قد يكون مفروضا من سلطة محتلة أو أخرى ظالمة، وفي هذه الحالة لا يعبر سوى عن رغبة السلطة التي سنته، مما يجعل الامتثال له قليلا، لأنه لا يستند على إرداة الأمة واقتناعها به.
4 لا يمكن اعتبار كل مخالفة للقانون جريمة، ولا كل مخالف للقانون مجرما، فالقانون يحظر أفعالا غير إجرامية كثيرة، وقد يقوم بها أشخاص لا يوجد لديهم أي دافع أو تكوين إجرامي.
ثانيا: تعريف الجريمة في علم الاجتماع:
اختلفت مدارس علم الاجتماع وكذلك علماؤه في تعريف الجريمة، وقد أدى هذا الاختلاف إلى ظهور عدد من التعاريف ذات الاتجاه الاجتماعي، ومن أشهرها تعريف (سالن Sallin) حيث يقول : الجريمة هي انتهاك للمعايير الاجتماعية , وتأتي شهرة هذا التعريف من كونه جمع كثيرا من الاعتبارات الاجتماعية في عبارة قصيرة، فالعادات والتقاليد والأعراف والقانون كلها معايير اجتماعية, ومن أهم الانتقادات الموجهة إلى هذا التعريف ان المعايير الاجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر، ولعل ذلك هو ما دفع العالم (Rafaele Garofalo) إلى تصنيف الجرائم إلى جرائم طبيعية وجرائم مصطنعة، الأمر الذي أظهر تعريف (Sallin) وكأنه تعريف يخص مجتمعا واحدا، فقد قسم جاروفالو الجريمة إلى نوعين: جريمة طبيعية، وجريمة مصطنعة. فالجريمة الطبيعية هي ذلك الفعل الذي لا يختلف شعور الناس تجاهه بأنه جريمة مهما اختلفت المجتمعات والأزمنة، كالاعتداء المادي أو المعنوي على الأفراد، والاعتداء على الأموال والممتلكات، أما الجريمة المصطنعة فهي الأفعال المنتهكة لمكونات ثقافية مصطنعة، أو ما يسمى بالعواطف غير الثابتة كالديانات والعادات والتقاليد, ولعل نظرية جاروفالو هذه من أكثر النظريات انسجاما مع الواقع الثقافي المعاصر، ذلك أنه لا يمكن بحكم هذا الواقع، أن يتم الحصول على تعريف اجتماعي واحد يكون مقبولا تماما في كل المجتمعات، أوعلى الأقل عند كل علماء الاجتماع، وعلى هذا الأساس فإن النقد الموجه لهذه النظرية من زاوية عدم تشابه عاطفتي الشفقة والأمانة لدى كل المجتمعات، وهو نقد جاء به العالم (Durkheim) نقد ضعيف لأنه لم يأخذ في الاعتبار أن الشعوب والثقافات قد لا تتفق على تعريف آخر أكثر من اتفاقها على هذا التعريف في هذا العصر بالذات، ثم انه يؤخذ على هذا النقد أن العواطف تتشابه لدى كل المجتعات لكنها لا تتطابق تماما، والأخذ بمسألة واحدة تتشابه عواطف كل الشعوب تجاهها، خير من تركها حتى يتحقق التطابق العاطفي التام.