عولمة الجريمة والإرهاب
الدكتور عادل عامر
لويز شيلي، أستاذة في كلية الخدمات الدولية في الجامعة الأميركية، ومؤسسة ومديرة لمركز الجريمة والفساد عبر الدول في الجامعة الأميركية في واشنطن، العاصمة، خبيرة رئيسية في الجريمة والإرهاب، ومؤلفة كتاب "ضبط المجتمع السوفياتي" (Policing Soviet Society)، وكتاب "الجريمة والتحديث" (Crime and Modernization)، بالإضافة إلى كتابتها مقالات عديدة وفصولا في كتب حول كافة أوجه الجريمة التي تتخطى الحدود القومية. في نهاية القرن العشرين، برزت ظاهرة جديدة تمثلت في قيام العولمة المتزامنة مع الجريمة، والإرهاب، والفساد، ذلك "الثالوث غير المقدس" الذي أصبح يظهر في كافة أنحاء العالم. فيمكن إيجاده في أفقر بلدان أميركا اللاتينية وأفريقيا، وكذلك في قلب أوروبا المزدهرة. تعمل مجموعات الجريمة والإرهاب بالترافق وتسهل عملها ظاهرة الفساد، منطلقة من منطقة الحدود الثلاثية في أميركا اللاتينية (البرازيل-الأرجنتين-الباراغوي) إلى مناطق النزاعات الإقليمية في غرب أفريقيا والاتحاد السوفياتي السابق، والى سجون أوروبا الغربية. تتقاطع الجريمة والإرهاب أيضاً في استراليا، وآسيا، وأميركا الشمالية كما تدل على ذلك القضايا الإجرامية التي توثّق هذا المزيج الواسع من نشاطاتهما. لكن هذا الثالوث غير المقدس أكثر تعقيداً من مجرد توجّه الإرهابيين نحو الجريمة لدعم نشاطاتهم، أو من مجرد الزيادة الدولية لتدفق السلع الممنوعة. فهو بالأحرى ظاهرة مميزة بذاتها تعمل فيها شبكات الجريمة المعولمة مع الإرهابيين، ويتمكن كلاهما من تنفيذ نشاطاتهما بنجاح يساعدهما في ذلك الفساد المستوطن. يستند التمييز المصطنع بين الجريمة والإرهاب إلى فكرة ذهنية بالية. فالقول الذائع إن المجرمين يمارسون الجريمة لمجرد الربح المادي، وأن الإرهابيين يعملون بصورة حصرية لتحقيق أهداف سياسية، يكذبه الواقع المعاصر لهاتين المجموعتين. فالمجرمون لا ينتمون اليوم إلى منظمات تخضع لسلطة هرمية لا تُشكّل تهديداً للدولة بالذات، كما كان ذلك صحيحاً بالنسبة للمافيا الصقلية أو الياكوزا اليابانية. والإرهابيون، كثيراً ما أصبحوا يتنقلون بدعم من الجريمة، ما بين هويتي الإجرام والإرهاب. تسمح هيكليات شبكات كليهما بالارتباط، عن وعي أو بدونه، بهوية احدهما الآخر. فقد تعمل المجموعتان مباشرة سوية أو قد تتصلان من خلال مسهلين بينهما. ففي لوس انجلوس، على سبيل المثال، منحت كلية تعليم اللغة نفسها إلى بعض الخاطفين المتورطين في أحداث 9/11 تأشيرات دخول وزودت كذلك تأشيرات دخول أيضاً إلى مومسات تابعات لعصبة رئيسية لتهريب البشر. وبدورها، انخرطت هذه الحلقة في تجارة بطاقات الهوية المسروقة التي يمكنها تسهيل نشاطات الإرهابيين. بعكس الرأي القائل ان كل ذلك نتج عن العولمة، فإن الجريمة المنظمة والإرهاب كان لهما نشاط تاريخياً عابراً لحدود الدول. في الثلاثينات من القرن الماضي، كان أعضاء عصابات المافيا الإيطالية في الولايات المتحدة يسافرون إلى كوبيه في اليابان والى شنغهاي في الصين للحصول على المخدرات، وكان يلجأ أعضاء من مختلف عصابات الإجرام الأميركية إلى الصين لتجنّب وصول السلطات الأميركية المختصة بفرض تطبيق القانون إليهم. كما وجد أعضاء منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي ملجأ آمناً في كنف الجاليات الأيرلندية في الخارج التي وفرت كذلك الدعم المالي لهذه المنظمة في أيرلندا. إلاّ أن الجديد اليوم، هو سرعة وتكرار تفاعلاتهم المتبادلة، وكثافة التعاون بين هذين الشكلين من الجريمة العابرة للحدود القومية. طور كل من المجرمين والإرهابيين شبكات تتخطى الحدود القومية، فوزعوا نشاطاتهم، وخططهم، ولوجستياتهم عبر عدة قارات، مربكين بذلك الأنظمة القانونية للدول التي تُستخدم كأداة لمكافحة أنماط الجريمة العابرة للحدود القومية في كافة تبدلاتها المتعددة. يُعتبر المجرمون الذين يتخطون الحدود القومية من المستفيدين الرئيسيين من العولمة. فالإرهابيون والمجرمون ينقلون الناس، والأموال، والسلع عبر عالم أمسى التدفق المتزايد للناس، والأموال، والسلع فيه يوفر غطاءاً ممتازاً لنشاطاتهما. اعتمد الإرهابيون ومجموعات الجريمة العابرة للحدود القومية على نظام العولمة للوصول إلى أسواقهم ولتدويم أفعالهم وللتهرب من الاكتشاف.