توثيق الصلة بين الشعوب
أما الدكتور إبراهيم عوض فيؤكد أن القصيدة الإسلامية تعد أحد العوامل المساعدة للإسلام نفسه في سبيل توثيق الصلة بين الشعوب العربية، وذلك أن الإسلام هو العامل الرئيسي وراء وحدة الأمة العربية؛ إذ لولا الإسلام ما تعرَّبت شعوب المنطقة خارج جزيرة العرب، ولما كان هناك الرباط الديني الذي يضم بعضها إلى بعض، ومعروف أنَّ الرباط الديني والرباط اللغوي هما أقوى الروابط بين الشعوب، وهذا هو الدور الذي تؤديه القصيدة الإسلامية، فهي قصيدة دينية تثير المشاعر الإسلامية، وتؤكد العقيدة والأخلاق والقيمة الإسلامية، وتناصر القضايا العربية، وهي في ذات الوقت مكتوبةٌ بلسان عربي، فهي بهذا تجمع بين الرباطَين الديني والعروبي وتدور في فلك الإسلام، وتقوم بدور العامل المساعد له؛ إذ تهدف إلى تحقيق الغايات نفسها التي يهدف إليها الإسلام. وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تُبرز قيمة الأخوة الإسلامية، وتدعو المسلمين إلى التمسك الشديد بعروتها الوثقى، وبالمثل هناك أحاديث نبوية تجري في نفس هذا الطريق، وتحذر من الشقاق وموالاة الأعداء، والقصيدة الإسلامية موجودة على ساحة الأدب العربي منذ أن وقف شعراء النبي- عليه الصلاة والسلام- بالدين الذي جاء به يصدون هجمات الشرك ويدفعون الروح المعنوية عند العرب، وهذه القصيدة- كما يقول الدكتور إبراهيم عوض- لا تزال موجودةً وبقوة حتى الآن، وستظل حاضرةً في أدبنا وجداننا إلى يوم الدين. ومن أبرز الشعراء الذين استطاعوا أن يشدوا الوجدان والعقول على مستوى العالم العربي كله محمد إقبال، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وعمر أبو ريشة، وعمر بهاء الأميري- رحمه الله- والدكتور يوسف القرضاوي، والشاعر محمد التهامي، والدكتور جابر قميحة، وحسن الإمراني، والدكتور نجيب الكيلاني. قضية الوحدة العربية يلتقط الدكتور حلمي القاعود- الأستاذ بجامعة طنطا- طرف الحديث مؤكدًا أنَّ قضية الوحدة العربية قضيةٌ لها جذور ولها تشعبات كثيرة في الشعر، فالشعراء المسلمون اهتموا بقضية الوحدة العربية، ودعوا إليها في أشعارهم؛ لأنهم كانوا يعتبرون الوحدة العربية أساسًا، وأن كل ما يؤدي إليها مطلوب. وارتبط هذا بمقاومة الاحتلال والاستبداد، وهذا أعطى لهم مجالاً واسعًا بالنسبة للقضايا المطروحة في ذلك الوقت، سواء الصراع مع الاحتلال البريطاني أو الاحتلال الفرنسي أو تحرير الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان، فكل قطر عربي يعتبر حافزًا من الحوافز التي يتخذ فيها الشعراء المسلمون موضوعًا مهمًّا لتحريك المشاعر القومية العربية من أجل الحرية، ومن أجل الاستقلال ومن أجل الوحدة. فالقصيدة الإسلامية- كما يقول الدكتور حلمي القاعود- تُوظَّف فنيًّا وعمليًّا لتحريك العواطف الإسلامية تجاه العرب في أي مكان على الأرض، من خلال مواقف النصرة، ومواقف التعاون، ومواقف التضام العربي الروحي، والتضامن العربي الشعبي، والتضامن أيضًا من ناحية المساعدات كما حدث مع بعض الدول العربية. ويشير الدكتور القاعود إلى أنَّ الوحدة العربية- في إطار النهضة الحديثة- كانت محورًا مهمًّا من محاور الأدب الإسلامي الحديث، بالإضافة إلى أن الوحدة العربية رمزٌ للقوة والتضامن واستعادة المجد القديم، على أساس أنَّ الشعوب العربية لها مشاعر واحدة ولها كيان واحد وأقرب إلى بعضهالذلك كانت عمليات الدعوة للمتوسطية والدعوة للإقليمية، والدعوة للقطرية وللطائفية كلها دعوات ضد الوحدة العربية، وكان الشعراء الإسلاميون يرون أن الوحدة العربية أساسًا لبناء صرح حضاري جديد على أساس العلم، ويقوم على البحث وعلى الإبداع وعلى الاختراع في مواجهة التفوق الأوروبي بصفة عامة.