المطلب الأول:
التبرير الناتج عن أمر القانون وإذن السلطة الشرعية
تفسير هذه الفقرة بسيط وهو أنه إذا قام شخص بتنفيذ عمل يأمر به القانون وتأمر به السلطة الشرعية, فإن عمله هذا
يكون مباحا ولو كان معاقب عليها. لكن ما الحكم إذا ارتكب الشخص الفعل استجابة لواجب القانون دون أمر السلطة
الشرعية أو الع**؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن القانون هذا يأخذ بمفهومه الواسع بحيث يشمل
الإذن الصادر عن الهيئة التشريعية أو الهيئة التنفيذية بل وحتى ما يستنبط من العرف وقواعد المعاملات وكذا الشريعة
الإسلامية وذلك لبساطتها والتي لا تتعدى حدود التأديب وما تفرضه بعض المهن والألعاب الرياضية من أعمال مثل:
*الأعمال التأديبية التي يمارسها الأب والأم اتجاه أبنائهما, وأيضا حينما ينتقل الطفل إلى المدرسة أو إلى مكان يتعلم
فيه حرفة أو عند مخدوم يعمل تحت رعايته فإن حق التأديب ينتقل إلى هذه الجهات مع مراعاة قواعد التأديب التي تقررها الأعراف.
*أعمال التأديب الخفيف التي يمارسها الزوج على زوجته وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
*أعمال العنف الناتجة عن مزاولة بغض الألعاب الرياضية.
*الأعمال الطبية التي يمارسها الطبيب تجاه مرضاه.
وهذه الحالات تتطلب دائما حسن النية والتقيد بالشروط والقواعد التي يرسمها القانون والأعراف.
بعد توضيح مفهوم القانون المقصود في الفصل 124 نشير إلى مسألة مهمة وهي:
هل المقصود من الفصل 124 الفقرة 1 من إذن القانون وأمر السلطة الشرعية توفر حالة دون أخرى ؟ أم ينبغي توفرهما
معا؟ على اعتبار أن واو العطف تفيد الجمع وليس الاختيار ؟.
إن ظاهر النص لا يتماشى مع الواقع ذلك أن هناك حالات كثيرة يكفي فيها توافر أحد الشرطين لوجود حالة التبرير. وهذا ما يتطلب منا التمييز بين حالة أمر القانون وحده, وحالة إذن السلطة الشرعية وحدها.
أولا: أمر القانون دون إذن السلطة الشرعية:
إن الأمثلة على ذلك كثيرة منها:
*الطبيب الذي يقوم بناء على أمر القانون بالتبليغ عن مرض معد, لا يعد مرتكبا لجريمة إفشاء السر المهني, لأن الأمر القانوني موجه إليه مباشرة ولا يحتاج في ذلك أمرا صادرا من السلطة الشرعية.
*قاضي التحقيق الذي يقوم بتفتيش منازل الأشخاص المتهمين, فهو لا يعتبر ماسا بحرمة المسكن لأن أفعاله تكون بأمر القانون.
*ضابط الشرطة القضائية الذي يمكنه أن يضع المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية خلال المدة القانونية (الفصل 81 من ق.م.ج).
*ضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس يمكنه أن يمنع كل شخص يرى ضرورة في الاحتفاظ به من مغادرة مكان الجريمة إلى أن ينتهي من تحرياته(الفصل 67).
*يمكن لكل شخص ضبط شخصا آخر متلبسا بجناية أو جنحة أن يلقي عليه القبض وأن يسوقه إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية (الفصل 78 ق.ج).
ثانيا: إذن السلطة الشرعية دون أمر القانون:
يقصد بهذه الحالة أن الرئيس يصدر أمرا غير شرعي لمرؤوسه, بمعنى آخر إذا أمر الرئيس بارتكاب فعل مخالف للقانون فهل يكون عمل المرؤوس هنا مبررا ولا يتعرض للعقاب ؟ وبالتالي فإن رئيسه هو الذي يتحمل تبعة هذا الخرق أم أنه إذا قام بتنفيذ أمر رئيسه يكون قد ارتكب فعلا مخالفا للقانون ويستحق عليه العقاب؟ المسألة معقدة وقد ثارت نقاشات
فقهية : فمن تكون له الأولوية في الطاعة هل القانون أم الرئيس؟.هناك نظرية الطاعة العمياء أو الطاعة المطلقة: التي لا تسمح بمناقشة الأوامر حتى ولو كانت غير مشروعة كما هو الحال في الميدان العسكري.
الموضوع الأصلي : المسؤولية الجنائية و الاسباب الموضوعية لإنعدامها || المصدر : منتديات مفهوم