وهنا ينبغي التأكيد على عدة نقاط جوهرية:
1) إذا أحيلت الحالة من مجلس الأمن، فان المحكمة الجنائية الدولية لا تتقيد بالشروط المسبقة لممارسة الاختصاص الوارد ذكرها في نظام روما، أي بمعنى أنه في هذا الفرض لا يشترط أن تكون الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف أو من شخص يحمل جنسية دولة طرف، فالمحكمة ينعقد لها الاختصاص في هذا الفرض أياً ما كان وقوع الجريمة وبغض النظر عن جنسية مرتكبها.
2) تقديم الشكوى من مجلس الأمن لا يلزم المدعي العام بمباشر التحقيق دائما، بل بإمكانه ألا يباشر التحقيقات إذا اقتنع أن الإحالة استندت إلى معلومات غير صحيحة، أو أدلة تافهة، أو كانت مبنية على أهواء سياسية أو افتراضات غير واقعية.
3) ينبغي أن يكون موضوع الإحالة واحداً أو أكثر من الجرائم التي ورد النص عليها من نظام روما.. وبالتالي لا يحق لمجلس الأمن أن يحيل- على سبيل المثال- حالة تتعلق بجرائم الإرهاب أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات، أو الهجرة غير الشرعية، أو غسل الأموال، أو الاتجار بالنساء والأطفال، أو الاتجار بالسلاح رغم خطورتها بدون جدال.ولكن يلاحظ أنه في هذه الحالة ليس ثمة ما يحول دون قيام المجلس بإنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة على غرار محاكم يوغسلافيا السابقة ورواندا للنظر في الواقعة.
4) يجب أن يتصرف المجلس عن إحالته الحالة للمدعي العام بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي بمعنى أن يكون المجلس مقتنعاً بأن ارتكاب الواقعة هدد بالفعل أو من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين.
5) من حق المحكمة الجنائية الدولية أن تتخذ قراراً بعدم قبول الدعوى كلما تبين أن موضوع الإحالة يخرج عن نطاق اختصاصاتها سابق الإشارة إليها خاصة من حيث الموضوع والزمان، والأشخاص، ولو كان مجلس الأمن هو جهة الإحالة.
وعليه إذا أحال مجلس الأمن إلى المدعي العام حالة تتعلق بجريمة من جرائم الحرب ارتكبت قبل دخول النظام الأساسي في 1 /7 / 2002 فان المحكمة لها الحق في عدم قبول الدعوى لخروج الموضوع عن نطاق اختصاصها الزمني.ولكن هنا أيضاً ليس ثمة ما يمنع المجلس - إذا رأى ملاءمة ذلك- إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة ومؤقتة.
6) إن إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعي العام يثير سؤالاً مهماً هو: هل يترتب على إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعي العام عدم استطاعة المحاكم الوطنية بعد ذلك ممارسة ولايتها القضائية بخصوص الجريمة محل الإحالة استناداً إلى مبدأ التكامل ؟.من باب الأمانة العلمية يجب علينا أن نتعرف ابتداء أن الإجابة على السؤال المطروح قد تكون محلاً لتباين الآراء في الفقه، فمن يرى أن ميثاق الأمم المتحدة أعلى قيمة من الناحية القانونية من غيره من الاتفاقيات الدولية ولهذا فهو يسمو عليها، سينتهي إلى أن إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يعطل أية مبادرة تقوم بها المحاكم الوطنية بشأن ممارسة اختصاصها بشأن الجريمة موضوع الإحالة، وذلك لأن مجلس الأمن يتصرف في فرض كهذا الذي نحن بصدده بموجب الميثاق، وليس بمقتضى نظام روما الأساسي. وأما الذي يعطي للميثاق قيمة قانونية مساوية للقيمة التي يعطيها للاتفاقيات الدولية بوجه عام، فسينتهي إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يحول -أي مبدأ التكامل - دون إمكانية قبول الدعوى من قبل المحكمة إذا كانت تجري التحقيق والمقاضاة في الدعوى دولة لها اختصاص عليها، ولو كان مجلس الأمن هو جهة الإحالة.