(ولاية الفقيه منعطف شيعي)
إن اختراع ولاية الفقيه في العهد الصفوي، ثم إعطاء صاحبها السلطة المطلقة ووصفه بالعصمة كان أخطر تحول فقهي سياسي عند الإمامية؛ لأنه نقلَهم من الانتظار إلى التحرك، ومن عدم الرضا بإمامة أحد إلا الغائب المنتظر إلى القبول بإمامة الولي الفقيه، واتباعه في كل ما يقول بدعوى أنه معصوم.
(ولاية الفقيه عقيدة يهودية!!!)
هذا التحول المذهبي يشبه تحول اليهود من عقيدة الانتظار لملك السلام التي لازمتهم طوال تاريخهم إلى نشوء الفكرة الصهيونية اليهودية التي أسسها هرتزل، وحرَّك بها اليهود؛ ليحوِّلوا بعض أساطيرهم إلى واقع محسوس، وألف فيها كتابه (الدولة اليهودية) يدعو فيه إلى إنشائها في فلسطين، فتحرك الأتباع وأنشئوها، وعانى المسلمون منها ما عانوا. والخميني ألف كتابه عن الحكومة الإسلامية التي يريد، ثم أنشأها في بلاد فارس، ووضع دستورها وفق رؤيته، وأضحت منطقة الشرق الإسلامي في زمننا هذا بين مشروعين كبيرين: روماني صهيوني، وفارسي باطني، وكلاهما عنصري حاقد، مدفوع بنصوص دينية دموية، ومعتقدات خرافية طموحة، يريد الأتباع تحويلها إلى واقع محسوس بعد أن طال انتظارهم .
(فهم العقائد .. استشراف للمستقبل)
فهم العقائد، والإلمام بتاريخها وتطوراتها يعين على فهم الحاضر، وإدراك الواقع، واستشراف المستقبل، وفصل الفهم العقائدي، والإلمام التاريخي عن تحليل الواقع يؤدي إلى نقص في الإدراك، وضعف في التصور، وفشل في التعامل مع الحوادث والمستجدات، وربنا جل جلاله يقول [وَخُذُوا حِذْرَكُمْ] {النساء:102} وقال في الكافرين [إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا] {النساء:101} وقال في المنافقين [هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ]{المنافقون:4} والذين يخفون أفكارهم وعقائدهم المناقضة لدين الإسلام هم من المنافقين، وروى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي ^ أَنَّهُ قال:«لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ من جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ»رواه الشيخان. قال الخطابي رحمه الله تعالى:«هذا لَفْظُهُ خبرٌ ومعناه أمرٌ، أي: ليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيُخدعَ مرة بعد أخرى».
(الشرق الإسلامي بين نابي حضارتين)
إننا نعيش في زمن نرى فيه وارثي الحضارتين الرومانية الصهيونية والفارسية الباطنية يتراشقون الكلام، ويتبادلون الوعيد والتهديد، ويظهر بينهم تنافس وصراع أظنه حقيقيا، ولكنه صراع مصالح، وليس عداء عقائد، يزول بزوال أسبابه، أو باتفاق ما بين الأمتين. وأثناء حكم الجمهوريين للدولة الكبرى كانت حدة النقاش عالية، ونبرة التهديد قاسية، لكنها لانت كثيرا مع مجيء الديمقراطيين، ثم أعقب ذلك حوادث تلفت الأنظار؛ إذ صرَّح بعض الفرس أن البحرين ولاية لهم، ويُحاكم بعض أبناء معتقدهم بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم في البحرين، ويكون من بين المشتبه فيهم في تفجيرات مصر رجل إيراني، ويتوج ذلك بمظاهرات المدينة النبوية، فهل آن أوان التقارب الروماني الصهيوني مع الفارسي الباطني؟ وهل أخذ الصفويون ضوءاً أخضر من القوى العالمية لتوسيع نفوذهم في الشرق الإسلامي بعد أن ابتلعوا العراق؟ وهل أخذ أتباع الفرس إذناً من مرجعياتهم ليفسدوا في بلاد المسلمين بدعوى تحريرها، ولماذا هذا السكوت الليبرالي المطبق عن ممارسات القوم وتصريحاتهم؟ وقد ملأ الآفاق بضجيجه على أهل السنة وكتبهم ومناهجهم.
(خطر التحول الشيعي)
إن انقلاب الإمامية على عقيدة الانتظار، وتحويلها إلى ولاية الفقيه، مع اعتقادهم بعدم شرعية أي حاكم إلا بتعيين الفقيه المعصوم له، وتأسيس دولة قوية على هذا المنهج الفاسد، تكثر أتباعها بنشره بين المسلمين تحت لافتة حُبِّ آل البيت، والثأر للحسين رضي الله عنه، ولها أتباع في الدول الأخرى مستعدون أن يضحوا بكل شيء في سبيل عقائدهم وأسيادهم، إن كل ذلك لينذر بخطر عظيم، وخطب جسيم، ويوجب حذرا كبيرا؛ فإن القوم ينطلقون من تراث مشحون بأحقاد مدفونة في الصدور، وإحنٍ عقائدية تغلي بها القلوب، تغذيها نصوص دموية تستحل الدماء والأعراض انتقاما لدم الحسين رضي الله عنه حسب زعمهم، الذي يتهمون بدمه كل مسلم ولو لم يعرف من يكون الحسين رضي الله عنه.
(بين الحكم السني والشيعي)
إن أهل السنة قد حكموا بلاد المسلمين طيلة القرون التي كان الإمامية ينتظرون فيها منتظرَهم قبل أن ينقلبوا على عقائدهم ويحرفوها، فما أبادهم أهل السنة وقد كانوا قادرين، وتركوهم وما يعتقدون، وإن حَكَم حاكم ظالم عمَّ بظلمه كل رعيته بلا تمييز، ودون المشككين كتب التاريخ فليقرؤوها.
أما الباطنيون فإنهم لما تمكنوا في بعض بلاد المسلمين فعلوا الأفاعيل بأهل السنة، ولم يستثنوا من جرائمهم أحدا أبدا، فمن الحمق أن نهاب التحذير منهم ومن عقائدهم؛ لئلا نوصم بالطائفية، ومن السذاجة أن نصدِّق دعواهم ودعوى الليبراليين بصدق وطنيتهم وانتمائهم ونحن نرى أنهم أتباع لغيرهم، ويعتقدون أن كلَّ حاكم فهو مغتصب للحكم سوى حكم من عينه الوالي الفقيه المعصوم، وإذا كانت بلاد المسلمين قد عانت الويلات من شرذمة قليلة ليس لها امتداد، خربت في بلاد المسلمين بالتفجير والتخريب فكيف سيكون الحال إذا انطلق الباطنيون يضربون الأمة في كل مكان . نسأل الله تعالى أن يجعل بأسهم بينهم، وأن يحبط كيدهم، وأن يكف عن المسلمين شرهم، وأن يردهم على أعقابهم خاسرين، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مشاريعهم ومخططاتهم، إنه سميع قريب، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .